فَمَنْ حَكَمَ بِفِسْقِهِمْ بِنَفْسِ الْقَذْفِ فَقَدْ خَالَفَ حُكْمَ الْآيَةِ وَأَوْجَبَ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ غَيْرَ مَرْدُودَةٍ لِأَجْلِ الْقَذْفِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ بِنَفْسِ الْقَذْفِ لَمْ تَبْطُلْ شَهَادَتُهُ.
وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ تَبْطُلُ بِنَفْسِ الْقَذْفِ لَمَا كَانَ تَرْكُهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى زِنَا الْمَقْذُوفِ مُبْطِلًا لِشَهَادَتِهِ وَهِيَ قَدْ بَطَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : أَنَّ الْمَعْقُولَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ مَا دَامَتْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى زِنَاهُ مُمْكِنَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا ثُمَّ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ " أَنَّهَا إنْ كَلَّمَتْ فُلَانًا لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَتْرُكَ دُخُولَ الدَّارِ إلَى أَنْ تَمُوتَ فَتَطْلُقَ حِينَئِذٍ قَبْلَ مَوْتِهَا بِلَا فَصْلٍ ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ :" أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا وَلَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ " كَانَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ وَكَانَ الْكَلَامُ وَتَرْكُ الدُّخُولِ إلَى أَنْ تَمُوتَ شَرْطًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ " وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا ثُمَّ دَخَلْت الدَّارَ " وَبَيْنَ قَوْلِهِ :" إنْ كَلَّمْت فُلَانًا ثُمَّ لَمْ تَدْخُلِيهَا " وَإِنْ افْتَرَقَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ شَرْطَ الْيَمِينِ فِي أَحَدِهِمَا وُجُودُ الدُّخُولِ وَفِي الْآخَرِ نَفْيُهُ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ.