نصَّ الله تعالى على عدد الجلد في الزنى والقذف، وثبت التوقيف في الخمر على ( ثمانين ) جلدة من فعل عمر رضي الله عنه في جمعٍ من الصحابة فلا يجوز أن يتعدى الحد في ذلك كله، قال ابن العربي : وهذا لم يتتابع الناس في الشرّ، ولا احلَوْلَت لهم المعاصي حتى يتخذوها ضَراوة ويعطف الناس عليهم بالهَوادة فلا يتناهوا عن منكرٍ فعلوه فحيئذ تتعين الشدة ويزيد الحد لأجل زيادة الذنب، وقد أتي عمر بسكران في رمضان، فضربه مائةً، ( ثمانين ) حد الخمر، و ( عشرين ) لهتك حرمة الشهر، فهكذا يجب أن تتركب العقوبات على تغليظ الجنايات وهتك الحرمات، وقد لعبق رجلٌ بصبيٍّ، فضربه الوالي ثلاثمائة سوط فلم يغيّر ذلك ( مالك ) رحمه الله حين بلغه، فكيف لو رأى زماننا هذا بهتك الحرمات، والاستهتار بالمعاصي، والتظاهر بالمناكر، وبيع الحدود واستيفاء العبيد لها في منصب القضاة لمات كمداً ولم يجالس أحداً وحسبنا الله ونعم الوكيل.
الحكم الثامن : ما هي الأعضاء التي تضرب في الحد؟
اتفق العلماء على أن الضرب في الحدود ينبغي أن يتقي به ( الوجه، والعورة، والمقاتل ) حتى حكى ابن عطية الإجماع على ذلك ولكن اختلفوا فيما عداها من الأعضاء.
قال ابن الجوزي في " زاد المسير " :( فأما ما يضرب من الأعضاء فنقل عن الإمام أحمد في حد الزاني أنه قال يجرّد من الثياب ويعطي كل عضو حقه، ولا يضرب وجهه ورأسه وروي عنه أيضاً : لا يضرب الرأس ولا الوجه ولا المذاكير وهو قول أبي حنيفة وقال مالك : لا يضرب إلا في الظهر. وقال الشافعي : يتقي الفرج والوجه ).
قال القرطبي : واختلفوا في ضرب الرأس، فقال الجمهور : يتقي الرأس وقال ( أبو يوسف ) يضرب الرأس وضرب عمر رضي الله عنه ( صبيغاً ) في رأسه وكان تعزيزاً لا حداً.
أما الوجه والعورة فمتفق على حرمة الضرب فيهما لقوله ﷺ :" إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه ".


الصفحة التالية
Icon