أقول : إن مثل هذه الحوادث قد وقعت في ( عصر النبوة ) أفضل العصور وحصلت مع بعض الأفاضل من أصحاب الرسول، وذلك لحكمة سامية حتى يكتمل التشريع ويتم الدين بتنفيذ الحدود من الرسول ﷺ في عصره وزمانه وليظل تشريعاً عاماً خالداً مدى الأزمان وعبر الأجيال، فلو لم تحصل أمثال هذه الحوادث لأصبحت هذه ( الحدود الشرعية ) التي فرضها الله وأوجبها على عبادة أخباراً تروى، وحكايات تذكر، ولما أمكن أن تنفذ في عصر من العصور بعد، وقد أراد الله عز وجل أن تبقى شريعة خاتم المرسلين شريعة كاملة خالدة مطبقة في جميع العصور، وقانوناً نافذاً على جميع الأمم، فحصل ما حصل من وقوع بعض الصحابة في بعض المخالفات - مع أنهم أكمل الناس - ليتم التشريع ويكمل الدين بتنفيذ الرسول الحدود عليهم. فانظر إلى هذه النفوس الكريمة التي لم تتحمل عِظَم هذا الذنب فجاءت تريد الطهارة منه ( إني زنيت فطهرني ) لأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فيا لها من نفوس كريمة ربَّاها الإسلام ودرّبها على الطهر والعفة والاستقامة؟
الحكم الثالث عشر : هل يصح الزواج بالزانية؟
اختلف علماء السَّلف في هذه المسألة على قولين :
الأول : حرمة الزواج بالزانية، وهو منقول عن علي والبراء وعائشة وابن مسعود.
الثاني : جواز الزواج بالزانية وهو منقول عن أبي بكر وعمر وابن عباس وهو مذهب الجمهور. وبه قال الفقهاء الأربعة من الأئمة المجتهدين.
دليل القول الأول :
وقد استدل القائلون بتحريم الزواج من الزانية بظاهر الآية الكريمة وهي قوله تعالى :﴿ الزاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً... ﴾ الآية فقالوا : إن هذه الآية ظاهرها الخبر وحقيقتها النهي والتحريم بدليل آخر الآية ﴿ وَحُرِّمَ ذلك عَلَى المؤمنين ﴾ وقد قال ( علي ) كرَّم الله وجهه : إذا زنى الرجل فرّق بينه وبين امرأته، وكذلك إذا زنت المرأة فُرِّق بينها وبين بعلها.