وهذا الاختلاف بين الفقهاء مردّه إلى قاعدة أصولية : وهي :( هل الاستثناء الوارد بعد الجمل المتعاطفة بالواو يرجع إلى الكل أو إلى الأخير ) ؟ فالشافعية والمالكية يرجعونه إلى الجميع، والأحناف يرجعونه إلى الأخير فقط والمسألة تطلب من كتب الأصول وليس هذا محل تفصيلها.
أدلة الأحناف :
استدل الأحناف على عدم قبول شهادة القاذف مطلقاً بما يلي :
أولاً : إن الاستثناء لو رجع إلى جميع الجمل المتقدمة لوجب أن يسقط عنه ( الحد ) وهو الجلد ( ثمانين جلدة )، وهذا باطل بالإجماع، فتعَيّن أن يرجع إلى الجملة الأخيرة فقط.
ثانياً : إن الله تعالى قد حكم بعدم قبول شهادته على التأبيد ﴿ وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ﴾ فلفظ ( الأبد ) يدل على الدوام والاستمرار حتى ولو تاب وأناب وأصبح من الصالحين، وقبول شهادته يناقض هذه الأبدية التي حكم بها القرآن.
ثالثاً : ما ورد عنه ﷺ أنه قال :" المسلمون عدول بعضهم على بعض إلاّ محدوداً في قذف " فإنه يدلّ على أن القاذف لا تقبل شهادته إذا حُدّ في القذف.
أدلة الجمهور :
وأما الجمهور فقد استدلوا على قبول شهادته بما يلي : أولاً : قالوا : إنّ التوبة تمحو الذنب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فوجب أن يكون القاذف بعد التوبة مقبول الشهادة.
ثانياً : إنّ الكفر أعظم جرماً من القذف، والكافر إذا تاب تقبل شهادته فكيف لا تقبل شهادة المسلم إذا قذف ثم تاب؟ وقد قال الشافعي رحمه الله : عجباً يقبل الله من القاذف توبته وتردُّون شهادته.


الصفحة التالية
Icon