وفي ظاهر الآية رد على الشافعي عليه الرحمة حيث قال إنه بمجرد لعان الزوج تثبت الفرقة بينهما وذلك لأن المتبادر أنها تشهد الشهادات وهي زوجة ومتى كانت الفرقة بلعان الزوج لم تبق زوجة عند لعانها، والذي ذهب إليه أبو حنيفة عليه الرحمة أنه إذا وقع التلاعن ثبتت حرمة الوطء ودواعيه عن الملاعن فإن طلقها فذاك وإن لم يطلقها بانت بتفريق الحاكم وإن لم يرضيا بالفرقة، ولو فرق خطأ بعد وجود الأكثر من كل منهما صح، ويشترط كون التفريق بحضورهما وحضور الوكيل كحضور الأصيل ويتوارثان قبله، ولو زالت أهلية اللعان بعده فإن كان بما يرجى زواله كجنون فرق وإلاّ لا، وقال زفر : تقع الفرقة بتلاعنهما وإن أكذب نفسه من بعد اللعان والتفريق وحد أم لم يحد يحل له تزوجها عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف إذا افترق المتلاعنان فلا يجتمعان أبداً وثبتت بينهما حرمة كحرمة الرضاع وبه قالت الأئمة الثلاثة، وأدلة هذه الأقوال وما لها وما عليها تطلب من كتب الفقه المبسوطة، واستدل بمشروعية اللعان على جواز الدعاء باللعن على كاذب معين فإن قوله :
﴿ لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الكاذبين ﴾ [ النور : ٧ ] دعاء على نفسه باللعن على تقدير كذبه وتعليقه على ذلك لا يخرجه عن التعيين، نعم يقال إن مشروعيته إن كان صادقاً فلو كان كاذباً فلا يحل له، واستدل الخوارج على أن الكذب كفر لاستحقاق من يتصف به اللعن وكذا الزنا كفر لاستحقاق فاعله الغضب فإن كلاً من اللعن والغضب لا يستحقه إلا الكافر لأن اللعن الطرد عن الرحمة وهو لا يكون إلا لكافر والغضب أعظم منه، وفيه أنه لا يسلم أن اللعن في أي موضع وقع بمعنى الطرد عن الرحمة فإنه قد يكون بمعنى الإسقاط عن درجة الأبرار وقد يقصد به إظهار خساسة الملعون، وكذا لا يسلم اختصاص الغضب بالكافر وإن كان أشد من اللعن والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon