وقال الشوكانى فى الآيات السابقة :
﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾
قوله ﴿ والذين يَرْمُونَ ﴾ استعار الرمي للشتم بفاحشة الزنا ؛ لكونه جناية بالقول كما قال النابغة :
وجرح اللسان كجرح اليد... وقال آخر :
رماني بأمر كنت عنه ووالدي... برياً ومن أجل الطوى رماني
ويسمى هذا الشتم بهذه الفاحشة الخاصة قذفاً، والمراد بالمحصنات النساء، وخصهنّ بالذكر لأن قذفهنّ أشنع، والعار فيهنّ أعظم، ويلحق الرجال بالنساء في هذا الحكم بلا خلاف بين علماء هذه الأمة، وقد جمعنا في ذلك رسالة رددنا بها على بعض المتأخرين من علماء القرن الحادي عشر لما نازع في ذلك.
وقيل : إن الآية تعمّ الرجال، والنساء، والتقدير : والأنفس المحصنات، ويؤيد هذا قوله تعالى في آية أخرى :﴿ والمحصنات مِنَ النساء ﴾ [ النساء : ٢٤ ] فإن البيان بكونهنّ من النساء يشعر بأن لفظ المحصنات يشمل غير النساء، وإلاّ لم يكن للبيان كثير معنى.
وقيل : أراد بالمحصنات : الفروج كما قال :﴿ والتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾ [ الأنبياء : ٩١ ].
فتتناول الآية الرجال والنساء.
وقيل : إن لفظ المحصنات، وإن كان للنساء لكنه هاهنا يشمل النساء والرجال تغليبا، وفيه أن تغليب النساء على الرجال غير معروف في لغة العرب، والمراد بالمحصنات هنا.
العفائف، وقد مضى في سورة النساء ذكر الإحصان، وما يحتمله من المعاني.
وللعلماء في الشروط المعتبرة في المقذوف والقاذف أبحاث مطوّلة مستوفاة في كتب الفقه، منها ما هو مأخوذ من دليل، ومنها ما هو مجرّد رأي بحت.
قرأ الجمهور ﴿ والمحصنات ﴾ بفتح الصاد، وقرأ يحيى بن وثاب بكسرها.
وذهب الجمهور من العلماء : أنه لا حدّ على من قذف كافراً أو كافرة.
وقال الزهري، وسعيد بن المسيب، وابن أبي ليلى : إنه يجب عليه الحدّ.


الصفحة التالية
Icon