ثم بين سبحانه ما يجب على القاذف فقال ﴿ فاجلدوهم ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾ الجلد : الضرب كما تقدّم، والمجالدة المضاربة في الجلود، أو بالجلود، ثم استعير للضرب بالعصى، والسيف، وغيرهما، ومنه قول قيس بن الخطيم :
أجالدهم يوم الحديقة حاسرا... كأن يدي بالسيف مخراق لاعب
وقد تقدّم بيان الجلد قريباً، وانتصاب ثمانين كانتصاب المصادر، وجلدة منتصبة على التمييز، وجملة ﴿ وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ﴾ معطوفة على " اجلدوا " أي : فاجمعوا لهم بين الأمرين : الجلد، وترك قبول الشهادة، لأنهم قد صاروا بالقذف غير عدول بل فسقة كما حكم الله به عليهم في آخر هذه الآية.
واللام في لهم متعلقة بمحذوف هو : حال من شهادة ولو تأخرت عليها لكانت صفة لها، ومعنى ﴿ أَبَدًا ﴾ : ما داموا في الحياة.
ثم بين سبحانه حكمهم بعد صدور القذف منهم، وإصرارهم عليه، وعدم رجوعهم إلى التوبة، فقال :﴿ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفاسقون ﴾ وهذه جملة مستأنفة مقرّرة لما قبلها.
والفسق : هو الخروج عن الطاعة، ومجاوزة الحدّ بالمعصية، وجوّز أبو البقاء أن تكون هذه الجملة في محل نصب على الحال.
ثم بين سبحانه أن هذا التأييد لعدم قبول شهادتهم هو مع عدم التوبة فقال ﴿ إِلاَّ الذين تَابُواْ ﴾ وهذه الجملة في محل نصب على الاستثناء، لأنه من موجب، وقيل : يجوز أن يكون في موضع خفض على البدل، ومعنى التوبة قد تقدّم تحقيقه، ومعنى ﴿ مِن بَعْدِ ذلك ﴾ : من بعد اقترافهم لذنب القذف، ومعنى ﴿ وَأَصْلَحُواْ ﴾ : إصلاح أعمالهم التي من جملتها ذنب القذف، ومداركة ذلك بالتوبة، والانقياد للحدّ.


الصفحة التالية
Icon