وقال أبو السعود :
﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ ﴾
خطابٌ للسَّامعينَ والمسمِّعينَ جميعاً ﴿ وَرَحْمَتُهُ فِى الدنيا ﴾ من فنون النِّعمِ التي من جُملتها الإمهالُ للتَّوبة ﴿ والأخرة ﴾ من ضروب الآلاءِ التي من جُملتها العفوُ والمغفرةُ بعد التَّوبةِ ﴿ لَمَسَّكُمْ ﴾ عاجلاً ﴿ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ ﴾ بسبب ما خضتُم فيه من حديث الإفكِ، والإبهامُ لتهويل أمرِه والاستهجانِ بذكرِه. يقالُ أفاضَ في الحديثِ وخاضَ واندفعَ وهضبَ بمعنى ﴿ عَذَابٌ عظِيمٌ ﴾ يُستحقر دونَه التَّوبيخُ والجلدُ.
﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ ﴾ بحذف إحدى التَّاءينِ ظرفٌ للمسِّ أي لمسَّكم ذلكَ العذابُ العظيمُ وقتَ تلقِّيكم إيَّاه من المخترعينَ ﴿ بِأَلْسِنَتِكُمْ ﴾ والتَّلقِّي والتلقُّفُ والتلقُّنُ معانٍ متقاربةٌ خلا أنَّ في الأولِ معنى الاستقبالِ وفي الثَّاني معنى الخَطفِ والأخذِ بسرعةٍ وفي الثَّالثِ معنى الحِذْقِ والمهارةِ. وقُرىء تَتَلقَونه على الأصل وتلقونه من لقيَه وتلقونَه بكسرِ حرفِ المُضارعةِ وتُلقونه من إلقاء بعضهم على بعض وتَلْقُونه وتألقونَه من الولقِ والألق وهو الكذبُ وتثقفونَه من ثقفتُه إذا طلبتُه وتتقفونَه أي تتبعونَه ﴿ وَتَقُولُونَ بأفواهكم مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ﴾ أي تقولونَ قولاً مختصًّا بالأفواهِ من غيرِ أنْ يكونَ له مصداقٌ ومنشأٌ في القلوبِ لأنَّه ليسَ بتعبيرٍ عن علمٍ به في قلوبكم كقوله تعالى :﴿ يَقُولُونَ بأفواههم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ ﴾ ﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هَيّناً ﴾ سهلاً لا تبعةَ لهُ أو ليسَ له كثيرُ عقوبةٍ ﴿ وَهُوَ عِندَ الله ﴾ والحالُ أنَّه عنده عزَّ وجلَّ ﴿ عظِيمٌ ﴾ لا يُقادرُ قَدرُه في الوِزرِ واستجرارِ العذابِ.