﴿ فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا. ﴾ ﴿ سبحانك ﴾ تعجُّبٌ ممَّن تفوَّه به وأصلُه أن يذكرُ عند معاينةِ العجيبِ من صنائعِه تعالى تنزيهاً له سبحانَه عنْ أنْ يصعبَ عليه أمثالُه ثمَّ كثُر حتَّى استُعملَ في كلِّ متعجَّبٍ منه أو تنزيهٌ له تعالى عن أنْ تكونَ حُرمةُ نبيِّه فاجرةً فإنَّ فجورَها تنفيرٌ عنه ومخلٌّ بمقصودِ الزَّواجِ فيكون تقريراً لمَا قبلَه وتمهيداً لقوله تعالى :﴿ هذا بهتان عَظِيمٌ ﴾ لعَظَمَةِ المبهوتِ عليه واستحالةِ صدقِه فإنَّ حقارةَ الذُّنوبِ وعظمَها باعتبار مُتعلقاتِها.
﴿ يَعِظُكُمُ الله ﴾ أي ينصحُكم ﴿ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ ﴾ أي كراهةَ أنْ تعودُوا أو يزجرُكم مِن أن لا تعودُوا من قولِك : وعظتُه في كذا فتركَه ﴿ أَبَدًا ﴾ أي مدَّةَ حياتِكم ﴿ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ فإنَّ الإيمانَ وازعٌ عنه لا محالةَ وفيه تهييجٌ وتقريعٌ.
﴿ وَيُبَيّنُ الله لَكُمُ الأيات ﴾ الدَّالَّةَ على الشَّرائعِ ومحاسنِ الآدابِ دلالةً واضحةً لتتَّعِظوا وتتأدَّبوا بها أي يُنزلها كذلكَ أي مبينةً ظاهرةَ الدِّلالةِ على معانيها لا أنَّه يُبينها بعد أنْ لم تكُنْ كذلك وهذا كما في قولِهم : سبحانَ من صغَّر البعوضَ وكبَّر الفيلَ أي خلقَهُما صغيراً وكبيراً ومنه قولُك : ضُيِّقَ فمُ الرَّكيَّةِ ووُسِّعَ أسفلُها. وإظهارُ الاسمِ الجليلِ في موقع الإضمارِ لتفخيم شأنِ البيانِ ﴿ والله عَلِيمٌ ﴾ بأحوالِ جميعِ مخلوقاتِه جلائلِها ودقائقِها ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في جميع تدابيرِه وأفعالِه فأنَّى يمكن صدقُ ما قيل في حقِّ حُرمةِ مَن اصطفاهُ لرسالاته وبعثَه لكافَّةِ الخلقِ ليرشدَهم إلى الحقِّ ويزكيهم ويُطهرَهم تطهيراً. وإظهارُ الاسمِ الجليلِ هاهنا لتأكيدِ استقلالِ الاعتراضِ التذييليِّ والإشعارِ بعلَّةِ الأُلوهيَّةِ للعلم والحكمةِ. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon