وقال ابن المنير : يجوز أن يكون قوله سبحانه :﴿ تَقُولُونَ بأفواهكم ﴾ توبيخاً كقولك : أتقول ذلك بملء فيك فإن القائل ربما رمز وعرض وربما تشدق جازماً كالعالم، وقد قيل هذا في قوله سبحانه :
﴿ بَدَتِ البغضاء مِنْ أفواههم ﴾ [ آل عمران : ١١٨ ] وقال صاحب الفرائد : يمكن أن يقال فائدة ذكر ﴿ بأفواهكم ﴾ أن لا يظن أنهم قالوا ذلك بالقلب لأن القول يطلق على غير الصادر من الأفواه كما في قوله تعالى :﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ [ فصلت : ١١ ] وقول الشاعر
: امتلأ الحوض وقال قطني...
مهلاً رويداً قد ملأت بطني
فهو تأكيد لدفع المجار، وأنت تعلم أن السياق يقتضي الأل وإليه ذهب الزمخشري، وكان الظاهر وتقولونه بأفواهكم إلا أنه عدل عنه إلى ما في النظم الجليل لما لا يخفى ﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هَيّناً ﴾ سهلاً لا تبعة له :﴿ وَهُوَ عِندَ الله عَظِيمٌ ﴾ أي والحال أنه عند الله عز وجل أمر عظيم لا يقادر قدره في الوزر واستجرار العذاب، والجملتان الفعليتان معطوفتان على جملة ﴿ تَلَقَّوْنَهُ ﴾ داخلتان معها في حيز ﴿ إِذْ ﴾ فيكون قد علق مس العذاب العظيم بتلقي الإفك بألسنتهم والتحدث به من غير روية وفكر وحسبانهم ذلك مما لا يعبأ به وهو عند الله عز وجل عظيم.
﴿ وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ﴾ ممن اخترعه أو المتابع له ﴿ قُلْتُمْ ﴾ تكذيباً له وتهويلاً لما ارتكبه ﴿ مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ ﴾ أي ما يمكننا وما يصدر عنا بوجه من الوجوه التكلم ﴿ بهذا ﴾ إشارة إلى القول الذي سمعوه باعتبار شخصه.