ولما كان لا شفاء لغيظ الإنسان أعظم من انتصار الملك الديان له، علل ذلك بقوله :﴿لكل امرئ منهم﴾ أي الآفكين ﴿ما﴾ أي جزاء ما ﴿اكتسب﴾ بخوضه فيه ﴿من الإثم﴾ الموجب لشقائه، وصيغة الافتعال من " كسب " تستعمل في الذنب إشارة إلى أن الإثم يرتب على ما حصل فيه تصميم وعزم قوي صدقه العمل بما فيه من الجد والنشاط، وتجرد في الخير إشارة إبى أن الثواب يكتب بمجرد فعل الخير بل ونيته ﴿والذي تولى كبره﴾ أي معظمه بإشاعته والمجاهرة به ﴿منهم له﴾ بما يخصه لإمعانه في الأذى ﴿عذاب عظيم﴾ أي أعظم من عذاب الباقين، لأنهم لم يقولوا شيئاً إلا كان عليه مثل وزره من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاَ، وقصه الإفك معروفة في الصحيح والسنن وغيرها شهيرة جداً، وذلك أن النبي ـ ﷺ ـ غزا بني المصطلق بعد ما أنزلت آية الحجاب، وكانت معه الصديقة بنت الصديق زوجته أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها تحمل هودج لها، فافتقدت عقداً لها ليلة فرجعت إلى الموضع الذي تخلت فيه فالتمسته، فرحل النبي ـ ﷺ ـ وحمل جمالوها هودجها وهم يظنونها فيه، فلما رجعت فلم تجد أحداً اضطجعت مكان هودجها رجاء أن يعلموا بها فيرجعوا، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني ـ رضى الله عنه ـ قد عرس من وراء الجيش، فأصبح في مكانهم، فلما رآها وكان يراها قبل الحجاب استرجع وأناخ راحلته فوطىء على يدها، ولم يتكلم بكلمة غير استرجاعه، فركبت أم المؤمنين ـ رضى الله عنه ـ ا، ثم أقبل بها حتى لحق بالجيش وهم نزول في نصف النهار، فتكلم أهل الإفك فيهما ـ رضى الله عنهما ـ، وكان من سمي منهم عبد الله بن أبي المنافق، وزيد بن رفاعة، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش وحسان بن ثابت، قال عروة بن الزبير : في ناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة كما قال تعالى.


الصفحة التالية