فتعين تقدير مضاف، أي أن يشيع خبرها إذ الفاحشة هي الفعلة البالغة حداً عظيماً في الشناعة.
وشاع إطلاق الفاحشة على الزنى ونحوه وتقدم في قوله تعالى :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾ في سورة النساء ( ١٥ ).
وتقدم ذكر الفاحشة بمعنى الأمر المنكر في قوله :﴿ وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا ﴾ في سورة الأعراف ( ٢٨ ).
وتقدم الفحشاء في قوله تعالى :﴿ إنما يأمركم بالسوء والفحشاء ﴾ في سورة البقرة ( ١٦٩ ).
ومن أدب هذه الآية أن شأن المؤمن أن لا يحب لإخوانه المؤمنين إلا ما يحب لنفسه، فكما أنه لا يحب أن يشيع عن نفسه خبر سوء كذلك يجب عليه أن لا يحب إشاعة السوء عن إخوانه المؤمنين.
ولشيوع أخبار الفواحش بين المؤمنين بالصدق أو بالكذب مفسدة أخلاقية فإن مما يزع الناس عن المفاسد تهيبهم وقوعها وتجهمهم وكراهتهم سوء سمعتها وذلك مما يصرف تفكيرهم عن تذكرها بله الإقدام عليها رويداً رويداً حتى تنسى وتنمحي صورها من النفوس، فإذا انتشر بين الأمة الحديث بوقوع شيء من الفواحش تذكرتها الخواطر وخف وقع خبرها على الأسماع فدب بذلك إلى النفوس التهاون بوقوعها وخفة وقعها على الأسماع فلا تلبث النفوس الخبيثة أن تقدم على اقترافها وبمقدار تكرر وقوعها وتكرر الحديث عنها تصير متداولة.
هذا إلى ما في إشاعة الفاحشة من لحاق الأذى والضر بالناس ضراً متفاوت المقدار على تفاوت الأخبار في الصدق والكذب.
ولهذا ذيل هذا الأدب الجليل بقوله :﴿ والله يعلم وأنتم لا تعلمون ﴾ أي يعلم ما في ذلك من المفاسد فيعظكم لتجتنبوا وأنتم لا تعلمون فتحسبون التحدث بذلك لا يترتب عليه ضر وهذا كقوله :﴿ وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم ﴾ [ النور : ١٥ ].
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (٢٠)