وقال ابن عاشور :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾
جملة :﴿ إن الذين يرمون المحصنات ﴾ استئناف بعد استئناف قوله :﴿ إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ﴾ [ النور : ١٩ ] والكل تفصيل للموعظة التي في قوله :﴿ يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين ﴾ [ النور : ١٧ ] ؛ فابتدىء بوعيد العود إلى محبة ذلك وثُني بوعيد العود إلى إشاعة القالة، فالمضارع في قوله :﴿ يرمون ﴾ للاستقبال.
وإنما لم تعطف هذه الجملة لوقوع الفصل بينها وبين التي تناسبها بالآيات النازلة بينهما من قوله :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ﴾ [ النور : ٢١ ].
واسم الموصول ظاهر في إرادة جماعة وهم عبد الله بن أبي بن سلول ومن معه.
و﴿ الغافلات ﴾ هن اللاتي لا علم لهن بما رُمين به.
وهذا كناية عن عدم وقوعهن فيما رُمين به لأن الذي يفعل الشيء لا يكون غافلاً عنه فالمعنى : إن الذين يرمون المحصنات كذباً عليهن، فلا تحسب المرادَ الغافلات عن قول الناس فيهن.
وذكر وصف ﴿ المؤمنات ﴾ لتشنيع قذف الذين يقذفونهن كذباً لأن وصف الإيمان وازع لهن عن الخنى.
وقوله :﴿ لعنوا ﴾ إخبار عن لعن الله إياهم بما قدَّر لهم من الإثم وما شَرع لهم.
واللعن : في الدنيا التفسيق، وسلب أهلية الشهادة، واستيحاش المؤمنين منهم، وحد القذف، واللعن في الآخرة : الإبعاد من رحمة الله.
والعذاب العظيم : عذاب جهنم فلا جدوى في الإطالة بذكر مسألة جواز لعن المسلم المعيّن هنا ولا في أن المقصود بها من كان من الكفرة.
والظرف في قوله :﴿ يوم تشهد عليهم ﴾ متعلق بما تعلق به الظرف المجعول خبراً للمبتدأ في قوله :﴿ ولهم عذاب عظيم ﴾.
وذكر شهادة ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم للتهويل عليهم لعلهم يتقون ذلك الموقف فيتوبون.
وشهادة الأعضاء على صاحبها من أحوال حساب الكفار.