فصل


قال الفخر :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٢٣) ﴾
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
اختلفوا في قوله :﴿إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات الغافلات﴾ هل المراد منه كل من كان بهذه الصفة أو المراد منه الخصوص ؟ أما الأصوليون فقالوا الصيغة عامة ولا مانع من إجرائها على ظاهرها فوجب حمله على العموم فيدخل فيه قذفة عائشة وقذفة غيرها، ومن الناس من خالف فيه ذكر وجوهاً : أحدها : أن المراد قذفة عائشة قالت عائشة :"رميت وأنا غافلة وإنما بلغني بعد ذلك، فبينما رسول الله ﷺ عندي إذ أوحى الله إليه فقال " أبشري " وقرأ :﴿إِنَّ الذين يَرْمُونَ المحصنات الغافلات المؤمنات﴾، وثانيها : أن المراد جملة أزواج رسول الله ﷺ وأنهن لشرفهن خصصن بأن من قذفهن فهذا الوعيد لاحق به واحتج هؤلاء بأمور : الأول : أن قاذف سائر المحصنات تقبل توبته لقوله تعالى في أول السورة :﴿والذين يَرْمُونَ المحصنات﴾ إلى قوله :﴿وأولئك هُمُ الفاسقون * إِلاَّ الذين تَابُواْ﴾ [ النور : ٤ - ٥ ] وأما القاذف في هذه الآية، فإنه لا تقبل توبته لأنه سبحانه قال :﴿لُعِنُواْ فِى الدنيا والآخرة﴾ ولم يذكر الاستثناء، وأيضاً فهذه صفة المنافقين في قوله :﴿مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُواْ﴾ [ الأحزاب : ٦١ ]، الثاني : أن قاذف سائر المحصنات لا يكفر، والقاذف في هذه الآية يكفر لقوله تعالى :﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ﴾ وذلك صفة الكفار والمنافقين كقوله :﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء الله إِلَى النار﴾ [ فصلت : ١٩ ] الآيات الثلاث.


الصفحة التالية
Icon