فصل


قال الفخر :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ﴾
الحكم السادس
في الاستئذان
اعلم أنه تعالى عدل عما يتصل بالرمي والقذف وما يتعلق بهما من الحكم إلى ما يليق به لأن أهل الإفك إنما وجدوا السبيل إلى بهتانهم من حيث اتفقت الخلوة فصارت كأنها طريق التهمة، فأوجب الله تعالى أن لا يدخل المرء بيت غيره إلا بعد الاستئذان والسلام، لأن في الدخول لا على هذا الوجه وقوع التهمة، وفي ذلك من المضرة ما لا خفاء به فقال :﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ الخ وفي الآية سؤالات :
السؤال الأول : الاستئناس عبارة عن الأنس الحاصل من جهة المجالسة، قال تعالى :﴿ولا مستأنسين لحديث﴾ [ الأحزاب : ٥٣ ]، وإنما يحصل ذلك بعد الدخول والسلام فكان الأولى تقديم السلام على الاستئناس فلم جاء على العكس من ذلك ؟ والجواب : عن هذا من وجوه : أحدها : ما يروى عن ابن عباس وسعيد بن جبير، إنما هو حتى تستأذنوا فأخطأ الكاتب، وفي قراءة أبي : حتى تستأذنوا لكم والتسليم خير لكم من تحية الجاهلية والدمور، وهو الدخول بغير إذن واشتقاقه من الدمار وهو الهلاك كأن صاحبه دامر لعظم ما ارتكب، وفي الحديث " من سبقت عينه استئذانه فقد دمر " واعلم أن هذا القول من ابن عباس فيه نظر لأنه يقتضي الطعن في القرآن الذي نقل بالتواتر ويقتضي صحة القرآن الذي لم ينقل بالتواتر وفتح هذين البابين يطرق الشك إلى كل القرآن وأنه باطل وثانيها : ما روي عن الحسن البصري أنه قال إن في الكلام تقديماً وتأخيراً، والمعنى : حتى تسلموا على أهلها وتستأنسوا، وذلك لأن السلام مقدم على الاستئناس، وفي قراءة عبد الله : حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا، وهذا أيضاً ضعيف لأنه خلاف الظاهر وثالثها : أن تجري الكلام على ظاهره.


الصفحة التالية
Icon