ولما كان كل إنسان لا ينفك عن أحوال يكره أن يطلع عليها أو تقطع عليه، قال :﴿لعلكم تذكرون﴾ أي لتكون حالكم حال من يرجى أن يتذكر برجوعه إلى نفسه عند سماع هذا النهي، فيعرف أن ما يسوءه من غيره يسوء غيره منه، فيفعل ما يحب أن يفعل معه خوفاً من المقابلة، لأن الجزاء من جنس العمل، وكل ما يجب عليه في غير بيته يستحب له في بيته بنحو النحنحة ورفع الصوت بالذكر ونحوه على ما أشار إليه حديث النهي عن الطروق لكيلا يرى من أهله ما يكره.
ولما كان السكان قد يكونون غائبين، والإنسان لكونه عورة لا يحب أن يطلع غيره على جميع أموره، قال :﴿فإن لم تجدوا فيها﴾ أي البيوت التي ليس بها سكناكم ﴿أحداً﴾ قد يمنعكم، فالله يمنعكم منها، تقديماً لدرء المفاسد ﴿فلا تدخلوها﴾ أي أبداً ﴿حتى يؤذن لكم﴾ من آذن ما بإذن شرعي من الساكن أو غيره، لأن الدخول تصرف في ملك الغير أو حقه فلا يحل بدونه إذنه.
ولما كان كأنه قيل : فإن أذن لكم في شيء ما استأذنتم فيه فادخلوا، عطف عليه قوله :﴿وإن قيل لكم﴾ من قائل ما إذا استأذنتم في بيت فكان خالياً أو فيه أحد :﴿ارجعوا فارجعوا﴾ أي ولا تستنكفوا من أن تواجهوا بما تكرهون من صريح المنع، فإن الحق أحق أن يتبع، وللناس عورات وأمور لا يحبون اطلاع غيرهم عليها.
ولما كان في المنع نقص يوجب غضاضة ووحراً في الصدر، وعد سبحانه عليه بما يجبر ذلك، فقال على طريق الاستئناف :﴿هو﴾ أي الرجوع المعين ﴿أزكى﴾ أي أطهر وأنمى ﴿لكم﴾ فإن فيه طهارة من غضاضة الوقوف على باب الغير، ونماء بما يلحق صاحب البيت من الاستحياء عند امتثال أمره في الرجوع مع ما في ذلك عند الله.
ولما كان التقدير : فالله يجازيكم على امتثال أمره، وكان الإنسان قد يفعل في البيوت الخالية وغيرها من الأمور الخفية ما يخالف ما أدب به سبحانه مما صورته مصلحة وهو مفسدة، عطف على ذلك المقدر قوله :﴿والله﴾ أي الملك الأعلى.


الصفحة التالية
Icon