لأنه إذا حصل طريقان إلى تحصيل المقصود وكانا في الإفضاء إلى المقصود سببين وكان أحدهما شاقاً والآخر سهلاً، فإن العقلاء يستقبحون تحصيل ذلك المقصود بالطريق الشاق مع المكنة من الطريق السهل، ولما كانت النوافل مشروعة علمنا أنها أفضل وثامنها : لو كان الاشتغال بالنكاح أولى من النافلة لكان الاشتغال بالحراثة والزراعة أولى من النافلة بالقياس على النكاح والجامع كون كل واحد منهما سبباً لبقاء هذا العالم ومحصلاً لنظامه وتاسعها : أجمعنا على أنه يقدم واجب العبادة على واجب النكاح، فيقدم مندوبها على مندوبه لاتحاد السبب وعاشرها : أن النكاح اشتغال بتحصيل اللذات الحسية الداعية إلى الدنيا، والنافلة قطع العلائق الجسمانية وإقبال على الله تعالى فأين أحدهما من الآخر ؟ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام :" حبب إلي من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة " فرجح الصلاة على النكاح، حجة أبي حنيفة رحمه الله من وجوه : الأول : أن النكاح يتضمن صون النفس عن الزنا فيكون ذلك دفعاً للضرر عن النفس، والنافلة جلب النفع ودفع الضرر أولى من جلب النفع الثاني : أن النكاح يتضمن العدل والعدل أفضل من العبادة لقوله عليه الصلاة والسلام :
" لعدل ساعة خير من عبادة ستين سنة " الثالث : النكاح سنة مؤكدة لقوله عليه الصلاة والسلام :" من رغب عن سنتي فليس مني " وقال في الصلاة وإنها خير موضوع :" فمن شاء فليستكثر ومن شاء فليستقلل " فوجب أن يكون النكاح أفضل.
المسألة السادسة :
قوله تعالى :﴿وَأَنْكِحُواْ الأيامى﴾ [ النور : ٣٢ ] وإن كانت تتناول جميع الأيامى بحسب الظاهر لكنهم أجمعوا على أنه لا بد فيها من شروط، وقد تقدم شرحها في قوله :﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ﴾ [ النساء : ٢٤ ].


الصفحة التالية
Icon