أما الآية فظاهر قوله تعالى :﴿فكاتبوهم﴾ لأنه أمر وهو للإيجاب، ويدل عليه أيضاً سبب نزول الآية، فإنها نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى يقال له صبيح سأل مولاه أن يكاتبه فأبى عليه، فنزلت الآية فكاتبه على مائة دينار ووهب له منها عشرين ديناراً، وأما الأثر فما روي أن عمر أمر أنساً أن يكاتب سيرين أبا محمد بن سيرين فأبى، فرفع عليه الدرة وضربه وقال :﴿فكاتبوهم إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً﴾ وحلف عليه ليكاتبنه، ولو لم يكن ذلك واجباً لكان ضربه بالدرة ظلماً، وما أنكر على عمر أحد من الصحابة فجرى ذلك مجرى الإجماع، وقال أكثر الفقهاء إنه أمر استحباب وهو ظاهر قول ابن عباس والحسن والشعبي وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري واحتجوا عليه بقوله عليه الصلاة والسلام " لا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيب من نفسه " وأنه لا فرق أن يطلب الكتابة أو يطلب بيعه ممن يعتقه في الكفارة، فكما لا يجب ذلك فكذا الكتابة وهذه طريقة المعاوضات أجمع وههنا سؤالان :
السؤال الأول : كيف يصح أن يبيع ماله بماله ؟ قلنا إذا ورد الشرع به فيجب أن يجوز كما إذا علق عتقه على مال يكتسبه فيؤديه أو يؤدي عنه صار سبباً لعتقه.
السؤال الثاني : هل يستفيد العبد بعقد الكتابة ما لا يملكه ؟ لولا الكتابة ؟ قلنا نعم لأنه لو دفع إليه الزكاة، ولم يكاتب لم يحل له أن يأخذها وإذا صار مكاتباً حل له وإذا دفع إلى مولاه حل له، سواء أدى فعتق أو عجز فعاد إلى الرق، ويستفيد أيضاً أن الكتابة تبعثه على الجد والاجتهاد في الكسب، فلولاها لم يكن ليفعل ذلك، ويستفيد المولى الثواب لأنه إذا باعه فلا ثواب، وإذا كاتبه ففيه ثواب، ويستفيد أيضاً الولاء لأنه لو عتق من قبل غيره لم يكن له ولاء وإذا عتق بالكتابة فالولاء له، فورد الشرع بجواز الكتابة لما ذكرناه من الفوائد.