ولما علم من هذا أن لهذا الممثل به أنواراً متظاهرة بمعاونة المشكاة والزجاجة والمصباح والزيت، فلم يبق مما يقوي نوره ويزيده إشارقاً، ويمده بإضاءة نقية، قال في الممثل له :﴿نور على نور﴾ أي أن العلم الرباني عظيم الاتساع كلما سرحت فيه النظر، وأطلقت عنان الفكر، أتى بالغرائب ولا يمكن أن يوقف له على حد.
ولما كان الإخبار عن مضاعفة هذا النور موجباً لاعتقاد أنه لا يخفى عن أحد، أشار إلى أنه - بشمول علمه وتمام قدرته - يعمى عنه من يريد مع شدة ضيائه، وعظيم لألائه، فقال :﴿يهدي الله﴾ أي بعظمته المحيطة بكل شيء ﴿لنوره من يشاء﴾ كما هدى الله من هدى من المؤمنين لتبرئة عائشة ـ رضى الله عنه ـ ا قبل إنزال براءتها.
بكون الله اختارها لنبيه ـ ﷺ ـ، ولا يختار له إلا طيباً طاهراً وما شاكل ذلك، وعلم أن قسيم ذلك " ويضل الله عن نوره من يشاء " وعلم أن وجه كونه ضل عنه أكثر الناس إنما هو ستر القادر له بنقص في حس من يريد سبحانه إضلاله، لا لنقص في النور كما قال الشاعر :
والنجم تستصغر الأبصار صورته...
فالذنب للطرف لا للنجم في الصغر
كما سيأتي إيضاح ذلك عند قوله تعالى ﴿ألم تر إلى ربك كيف مد الظل﴾ [ الفرقان : ٢٥ ]، ومر آنفاً في حديث علي ـ رضى الله عنه ـ في الأرواح ما ينفع ههنا.
ولما كان كأنه قيل : ضرب الله هذا المثل لكم لتدبروه فتنفعوا به، عطف عليه قوله :﴿ويضرب الله﴾ أي بما له من الإحاطة بكمال القدرة وشمول العلم ﴿الأمثال للناس﴾ لعلمه بها، تقريباً للأفهام، لعلهم يهتدون ﴿والله﴾ أي الذي له جميع صفات الكمال ﴿بكل شيء﴾ أي منها ومن غيرها ﴿عليم﴾ يبين كل شيء بما يسهل سبيله فثقوا بما يقول، وإن لم تفهموه أنفسكم وأمعنوا النظر فيه يفتح لكم سبحانه ما انغلق منه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ٢٦٣ ـ ٢٦٥﴾


الصفحة التالية
Icon