تلاه بها، ومن أحاسن المناسبات أن في كل من آيتي القردة والبقرة تبديل حال الإنسان بمخالطة لحم بعض الحيوانات العجم، ففي الأولى إخراسه بعد نطقه بلحم السمك، وفي الثانية إنطاقه بعد خرسه بالموت بلحم البقر، ولعل تخصيص لحم البقر بهذا الأمر لإيقاظهم من رقدتهم وتنبيههم من غفلتهم عن عظيم قدرة الله تعالى لينزع من قلوبهم التعجب من خوار العجل الذي عبدوه.
وقال الإمام أبو الحسن الحرالي : وفي ذلك تشامّ بين أحوالهم في اتخاذهم العجل وفي طلبهم ذلك، وفي كل ذلك مناسبة بين طباعهم وطباع البقرة المخلوقة للكدّ وعمل الأرض التي معها التعب والذل والتصرف فيما هو من الدنيا توغلاً فيها وفيه نسمة مطلبهم ما تنبت الأرض الذي هو أثر الحرث - يعني الذي أبدلوا الحطة به وهو حبة في شعرة، فكأنهم بذلك أرضيون ترابيون لا تسمو طباع أكثرهم إلى الأمور الروحانية العلوية، فإن جبلة كل نفس تناسب ما تنزع إليه وتلهج به من أنواع الحيوان ﴿جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً﴾ [ الشورى : ١١ ] - انتهى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ١٦٩ ـ ١٧١﴾
فصل
قال الفخر :
ثم أجاب الله تعالى عن سؤالهم بقوله تعالى :﴿إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرض﴾ وقوله :﴿لاَّ ذَلُولٌ﴾ صفة لبقرة بمعنى بقرة غير ذلول بمعنى لم تذلل للكراب وإثارة الأرض ولا هي من البقر التي يسقى عليها فتسقى الحرث و " لا" الأولى للنفي والثانية مزيدة لتوكيد الأولى، لأن المعنى لا ذلول تثير وتسقي على أن الفعلين صفتان لذلول كأنه قيل لا ذلول مثيرة وساقية، وجملة القول أن الذلول بالعمل لا بد من أن تكون ناقصة فبين تعالى أنها لا تثير الأرض ولا تسقى الحرث لأن هذين العملين يظهر بهما النقص.
أما قوله تعالى :﴿مُّسَلَّمَةٌ﴾ ففيه وجوه.
أحدها : من العيوب مطلقاً.
وثانيها : من آثار العمل المذكور.
وثالثها : مسلمة أي وحشية مرسلة عن الحبس.