وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ والله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ ﴾
قرأ يحيى بن وَثّاب والأعمش وحمزة والكسائي "وَاللَّهُ خَالِقُ كلِّ" بالإضافة.
الباقون "خلق" على الفعل.
قيل : إن المعنيين في القراءتين صحيحان.
أخبر الله عز وجل بخبرين، ولا ينبغي أن يقال في هذا : إحدى القراءتين أصح من الأخرى.
وقد قيل : إن "خلق" لشيء مخصوص، وإنما يقال خالق على العموم ؛ كما قال الله عز وجل :﴿ الخالق البارىء ﴾ [ الحشر : ٢٤ ].
وفي الخصوص "الحمد لله الذي خلق السموات والأرض" وكذا "هو الذي خلقكم من نفس واحدة".
فكذا يجب أن يكون ﴿ والله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ ﴾.
والدّابة كل ما دَبَّ على وجه الأرض من الحيوان ؛ يقال : دَبّ يَدِب فهو دابّ ؛ والهاء للمبالغة.
وقد تقدم في "البقرة".
﴿ مِّن مَّآءٍ ﴾ لم يدخل في هذا الجنّ والملائكة ؛ لأنا لم نشاهدهم، ولم يثبت أنهم خلقوا من ماء، بل في الصحيح :" أن الملائكة خُلقوا من نور والجنّ من نار " وقد تقدّم.
وقال المفسرون :"من ماء" أي من نُطْفة.
قال النقاش : أراد أَمْنِيَة الذكور.
وقال جمهور النَّظَرة : أراد أن خلْقة كل حيوان فيها ماء كما خلق آدم من الماء والطين ؛ وعلى هذا يتخرّج قول النبيّ ﷺ للشيخ الذي سأله في غَزاة بدر : ممن أنتما؟ فقال رسول الله ﷺ :" نحن من ماء " الحديث.
وقال قوم : لا يستثنى الجن والملائكة، بل كل حيوان خلق من الماء ؛ وخلق النار من الماء، وخلق الريح من الماء ؛ إذ أوّل ما خلق الله تعالى من العالم الماء، ثم خلق منه كل شيء.
قلت : ويدل على صحة هذا قوله تعالى :﴿ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ ﴾ المشيُ على البطن للحيّات والحُوت، ونحوه من الدود وغيره.
وعلى الرِّجْلين للإنسان والطير إذا مشى.
والأربع لسائر الحيوان.