و ﴿ السماء ﴾ السحاب أي ﴿ من السماء ﴾ التي هي جبال أي كجبال كقوله ﴿ حتى إذا جعله ناراً ﴾ أي كنار قاله الزجاج، فجعل السماء هو السحاب المرتفع سمي بذلك لسموه وارتفاعه.
وعلى القول الأول المراد بالسماء الجسم الأزرق المخصوص وهو المتبادر للذهن، ومن استعماله الجبال في الكثرة مجازاً قول ابن مقبل :
إذا مت عن ذكر القوافي فلن...
ترى لها شاعراً مني أطلب وأشعرا
وأكثر بيتاً شاعراً ضربت له...
بطون جبال الشعر حتى تيسرا
واتفقوا على أن ﴿ من ﴾ الأولى لابتداء الغاية.
وأما ﴿ من جبال ﴾.
فقال الحوفي : هي بدل من ﴿ السماء ﴾ ثم قال : وهي للتبعيض، وهذا خطأ لأن الأولى لابتداء الغاية في ما دخلت عليه، وإذ كانت الثانية بدلاً لزم أن يكون مثلها لابتداء الغاية، لو قلت : خرجت من بغداد من الكرخ لزم أن يكونا معاً لابتداء الغاية.
وقال الزمخشري وابن عطية : هي للتبعيض فيكون على قولهما في موضع المفعول لينزل.
قال الحوفي والزمخشري : والثانية للبيان انتهى.
فيكون التقدير وينزل من السماء بعض جبال فيها التي هي البرد فالمنزل برد لأن بعض البرد برد فمفعول ﴿ ينزل ﴾ ﴿ من جبال ﴾.
قال الزمخشري : أو الأولان للابتداء والأخيرة للتبعيض، ومعناه أنه ينزل البرد من السماء من جبال فيها انتهى.
فيكون ﴿ من جبال ﴾ بدلاً ﴿ من السماء ﴾.
وقيل :﴿ من ﴾ الثانية والثالثة زائدتان وقاله الأخفش، وهما في موضع نصب عنده كأنه قال : وينزل من السماء جبالاً فيها أي في السماء برداً وبرداً بدل أي برد جبال.
وقال الفراء : هما زائدتان أي جبالاً فيها برد لا حصى فيها ولا حجر، أي يجتمع البرد فيصير كالجبال على التهويل فبرد مبتدأ وفيها خبره.
والضمير في ﴿ فيها ﴾ عائد على ﴿ الجبال ﴾ أو فاعل بالجار والمجرور لأنه قد اعتمد بكونه في موضع الصفة لجبال.
وقيل :﴿ من ﴾ الأولى والثانية لابتداء الغاية، والثالثة زائدة أي ﴿ وينزل من السماء من جبال ﴾ السماء برداً.