ولما فضحهم بما أخفوه من توليهم، قبح عليهم ما أظهروه، فقال معبراً بأداة التحقيق :﴿وإذا دعوا﴾ أي الذين ادعوا الإيمان من أي داع كان ﴿إلى الله﴾ أي ما نصب الملك الأعظم من أحكامه ﴿ورسوله ليحكم﴾ أي الرسول ﴿بينهم﴾ بما أراه الله ﴿إذا فريق منهم﴾ أي ناس مجبولون على الأذى المفرق ﴿معرضون﴾ أي فاجؤوا الإعراض، إذا كان الحق عليهم، لاتباعهم أهواءهم، مفاجأة تؤذن بثباتهم فيه ﴿وإن يكن﴾ أي كوناً ثابتاً جداً ﴿لهم﴾ أي على سبيل الفرض ﴿الحق﴾ أي بلا شبهة ﴿يأتوا إليه﴾ أي بالرسول ﴿مذعنين﴾ أي منقادين أتم انقياد لما وافق من أهوائهم لعلمهم أنه دائر مع الحق لهم وعليهم، لا لطاعة الله ورسوله ـ ﷺ ـ.
ولما كان سبب فعلهم هذا بعد إظهارهم الطاعة مشكلاً، ناسب أن يسأل عنه، فقال تعالى مبيناً له بعد التنبيه على ما يحتمله من الحالات :﴿أفي قلوبهم مرض﴾ أي نوع فساد من أصل الفطرة يحملهم على الضلال ﴿أم ارتابوا﴾ بأن حدثت لهم شبهة أعمتهم عن الطريق ﴿أم﴾ ليس فيهم خلل لا أصلي ولا طارىء، بل الخلل في الحاكم فهم ﴿يخافون أن يحيف﴾ أي يجور ﴿الله﴾ الغني عن كل شيء، لأن له كل شيء ﴿عليهم﴾ بنصب حكم جائر وهو منزه عن الأغراض ﴿ورسوله﴾ الذي لا ينطق عن الهوى، بضرب أمر زائغ وقد ثبتت عصمته عن الأدناس.
ولما لم يكن شيء من ذلك كائناً أضرب عنه فقال :﴿بل أولئك﴾ أي البعداء البغضاء ﴿هم﴾ أي خاصة ﴿الظالمون﴾ أي الكاملون في الظلم، لأن قلوبهم مطبوعة على المرض والريب، لا أن فيها نوعاً واحداً منه، وليسوا يخافون الجور، بل هو مرادهم إذا كان الحق عليهم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ٢٧٤ ـ ٢٧٦﴾


الصفحة التالية
Icon