وقال ابن العربى :
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي سَبَبِ نُزُولِهَا : رَوَى الطَّبَرِيُّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَانَ يُقَالُ لَهُ بِشْرٌ، كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ خُصُومَةٌ، وَكَانَ الْيَهُودِيُّ يَدْعُوهُ إلَى [ التَّحَاكُمِ عِنْدَ ] النَّبِيِّ، وَكَانَ الْمُنَافِقُ يَدْعُوهُ إلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَقَالَ : إنَّ مُحَمَّدًا يَحِيفُ عَلَيْنَا، وَكَانَ الْمُنَافِقُ إذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْحَقُّ دَعَا إلَى غَيْرِ النَّبِيِّ، وَإِذَا كَانَ لَهُ الْحَقُّ دَعَاهُ إلَيْهِ لِيَسْتَوْفِيَهُ لَهُ ؛ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فِيهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إذَا كَانَ الْحُكْمُ بَيْنَ الْمُعَاهِدِ وَالْمُسْلِمِ أَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ لَا حَقَّ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذِمِّيَّيْنِ فَذَلِكَ إلَيْهِمَا، فَإِذَا جَاءَ قَاضِي الْإِسْلَامِ فَإِنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مُسْتَوْفًى، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ إجَابَةِ الدَّعْوَى إلَى الْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ذَمَّ مَنْ دُعِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ فَلَمْ يُجِبْ بِأَقْبَحَ الْمَذَمَّةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ حَدَّ الْوَاجِبِ مَا ذُمَّ تَارِكُهُ شَرْعًا.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.


الصفحة التالية
Icon