والبيضاري حيث جعلا ما تقدم تقسيماً لسبب الإعراض إلا أن الأول جعل الإضراب عن الأخير من الأمور الثلاثة ووجه بأنه أدل على ما كانوا عليه وأدخل في الإنكار من حيث أنه يناقض تسرعهم إليه ﷺ إذا كان الحق لهم على غير، والثاني جعله إضراباً عن الأخيرين منها لتحقيق القسم الأول، وقال : وجه التقسيم أن امتناعهم عن المحاكمة إليه ﷺ إما أن يكون لخلل فيهم أو في الحاكم، والثاني إما أن يكون محققاً أو متوقعاً وفسر الارتياب برؤية مثل تهمة تزيل يقينهم ثم قال : وكلاهما باطلان فتعين الأول.
أما الأول فظاهر.
وأما الثاني فلأن منصب النبوة وفرط أمانته عليه الصلاة والسلام يمنعه وظلمهم يعم خلل عقيدتهم وميل نفوسهم إلى الحيف.
وقال العلامة الطيبي الحق أن بل إضراب عن نفس التقسيم وهو إضراب انتقالي كأنه قيل : دع التقسيم فإنهم هم الكاملون في الظلم الجامعون لتلك الأوصاف فلذلك صدوا عن حكومتك يدل عليه الإتيان باسم الإشارة والخطاب وتعريف الخبر بلام الجنس وتوسيط ضمير الفصل، ونقل عن الإمام ما يدل على أن أم منقطعة قال : أثبتهم على كل واحد من هذه الأوصاف فكان في قلوبهم مرض وهو النفاق فكان فيها ارتياب فكانوا يخافون الحيف، ووجه الإضراب أن كلاً مسبب عن الآخر علم على وجوده وزيادة، واعترض بأنه لا يجب التسبب إلا أن يدعي في هذه المادة خصوصاً، وصرح أبو حيان بأنها منقطعة وبأن الاستفهام للتوقيف والتوبيخ ليقروا بأحد هذه الأوجه التي عليها في الإقرار بها عليهم ويستعمل في الذم والمدح كما في قوله
: ألست من القوم الذين تعاهدوا...
على اللؤم والفحشاء في سالف الدهر
وقوله
: ألستم خير من ركب المطايا...
وأندى العالمين بطون راح