والإشارة في قوله :﴿ وما أولئك ﴾ إلى ضمير ﴿ يقولون ﴾، أي يقولون آمنّا وهم كاذبون في قولهم.
وإنما يظهر كفرهم عندما تحل بهم النوازل والخصومات فلا يطمئنون بحكم رسول الله ﷺ ولا يصح جعله إشارة إلى ﴿ فريق ﴾ من قوله :﴿ إذا فريق منهم معرضون ﴾ لأن إعراضهم كاف في الدلالة على عدم الإيمان.
فالضمير في قوله :﴿ وإذا دعوا ﴾ عائد إلى معاد ضمير ﴿ يقولون ﴾.
وإسناد فعل ﴿ دعوا ﴾ إلى جميعهم وإن كان المعرضون فريقاً منهم لا جميعهم للإشارة إلى أنهم سواء في التهيؤ إلى الإعراض ولكنهم لا يظهرونه إلا عندما تحل بهم النوازل فالمعرضون هم الذين حلت بهم الخصومات.
وقد شملت الآية نفراً من المنافقين كانوا حلت بهم خصومات فأبوا حكم النبي ﷺ قبل أن يحكم عليهم أو بعدما حكم عليهم فلم يُرضهم حكمه، فروى المفسرون أن بشْراً أحد الأوس أو الخزرج تخاصم إلى النبي ﷺ مع يهودي فلما حكم النبي لليهودي لم يرض بشر بحكمه ودعاه إلى الحكم عند كعب بن الأشرف اليهودي فأبى اليهودي وتساوقا إلى عمر بن الخطاب فقصّا عليه القضية فلما علم عمر أن بشْراً لم يرض بحكم النبي قال لهما : مكانكما حتى آتيكما.
ودخل بيته فأخرج سيفه وضرب بشراً بالسيف فقتله.
فروي أن النبي ﷺ لقب عمر يومئذٍ الفاروق لأنه فرق بين الحق والباطل، أي فرق بينهما بالمشاهدة.
وقيل : إن أحد المنافقين اسمه المغيرة بن وائل من الأوس من بني أمية بن زيد الأوسي تخاصم مع علي بن أبي طالب في أرض اقتسماها ثم كره أمية القسم الذي أخذه فرام نقض القسمة وأبى علي نقضها ودعاه إلى الحكومة لدى النبي ﷺ فقال المغيرة : أما محمد فلست آتية لأنه يُبغضني وأنا أخاف أن يحيف علي.
فنزلت هذه الآية.
وتقدم ذلك عند قوله تعالى :﴿ ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ﴾ الآية في سورة النساء ( ٦٠ ).