وقال الشيخ الشعراوى :
﴿ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾
وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلى مَآ أَنزَلَ الله وَإِلَى الرسول رَأَيْتَ المنافقين يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً ﴾ [ النساء : ٦١ ].
وهؤلاء هم المنافقون، وخَيْبة المنافق أنه متضارب الملكات النفسية ؛ ذلك لأن للإنسان مَلَكات متعددة تتساند حال الاستقامة، وتتعاند حال المعصية، فالإنسان تراه طبيعياً حين ينظر إلى ابنته أو زوجته، لأن مَلَكاته منسجمة مع هذا الفعل، أما حين ينظر إلى محارم الغير فتراه يختلس النظرة، يخاف أنْ يراه أحد يتلصّص ويحتاط ؛ لأن مَلَكاته مضطربة غير منسجمة مع هذا الفعل.
لذلك يقولون : الاستقامة استسامة، فملكات النفس بطبيعتها متساندة لا تتعارض أبداً، لكن المنافق فضلاً عن كذبه، فهو متضارب الملَكات في نفسه ؛ لأن القلب كافر واللسان مؤمن.
لذلك فكرامة الإنسان تكون بينه وبين نفسه قبل أن تكون بينه وبين الناس، فقد يصنع الإنسان أمام الناس صنائع خير تُعجب الآخرين، لكنه يعلم من نفسه الشر، فهو وإن كسب ثقة المجتمع من حوله، إلا أنه خسر رَأْي نفسه في نفسه، وإذا خسر الإنسان نفسه فلن يُعوِّضه عنها شيء حتى إنْ كسب العالم كله ؛ لأن المجتمع لا يكون معك طول الوقت، أمّا نفسك فملازمة لك كل الوقت لا تنفك عنها، فأنا كبير أمام الناس ما دُمْت معهم، أمّا حين أختلي بنفسي أجدها حقيرة : فعلتْ كذا، وفعلت كذا.
إذن : أنت حكمتَ أنّ رأى الناس أنفَسُ من رأيك، ولو كان لرأيك عندك قيمة لحاولت أن يكون رأيك في نفسك صحيحاً، لكن أنت تريد أن يكون رأي الناس فيك صحيحاً، وإنْ كان رأيك عند نفسك غير ذلك.