لكن المنافق لم يَرْضَ حكم رسول الله، وانتهى بهما الأمر إلى عمر رضي الله عنه وقَصَّا عليه ما كان، ولما علم أن المنافق رَدَّ حكم رسول الله قام عمر وجاء بالسيف يُشْهِره في وجه المنافق وهو يقول : مَنْ لم يَرْضَ بقضاء رسول الله فذلك قضائي فيه.
إذن : فهؤلاء يقولون :﴿ آمَنَّا بالله وبالرسول وَأَطَعْنَا ﴾ [ النور : ٤٧ ] كلام جميل وأكثر الله من خيركم، لكن هذا قول فقط لا يسانده تطبيق عملي، والإيمان يقتضي أن تجيء الأعمال على وَفْق منطوق الإيمان.
فهذا منهم مجرد كلام، أما التطبيق :﴿ ثُمَّ يتولى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مِّن بَعْدِ ذلك ﴾ [ النور : ٤٧ ] والتولِّي : الانصراف عن شيء كان موجوداً إلى شيء مناقض ﴿ وَمَآ أولئك بالمؤمنين ﴾ [ النور : ٤٧ ] فما داموا قد تولوا فهم لم يطيعوا ولم يؤمنوا.
وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨)
المراد ما كان من أمر بشر واليهودي، وقد أعرضا عن حكم الله ورسوله، وإنْ كان إعراض المنافق واضحاً فالآية لا تريد تبرئة ساحة اليهودي، لأنه ما رضي بحكم الله إلا لأنه واثق أن الحق له وواثق أن رسول الله ﷺ لن يحكم إلا بالحق، حتى وإنْ كان ليهودي، وإذن : ما أذعن لحكم الله ورسوله محبةً فيه أو إيماناً به، إنما لمصلحته الشخصية، لذلك يقول تعالى بعدها :﴿ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ارتابوا ﴾
أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠)
والمرض : خروج الشيء عن استقامة سلامته، فكل عضو من أعضائك له سلامة : العين لها سلامة، والأذن لها سلامة.. الخ والعجيب أن تعيش بالجارحة لا تدري بها طالما هي سليمة صحيحة، فإذا أصابها مرض تنبهتَ إليها، وأحسست بنعمة الله عليك فيها حال سلامتها.


الصفحة التالية
Icon