﴿ يَحْسَبُهُ الظمآن ﴾ يظنّه العطشان ﴿ مَآءً حتى إِذَا جَآءَهُ ﴾ يعني ما قدّر أنّه ماء فلم يجده على ما قدّر، وقيل : معناه جاء موضع السراب فاكتفى بذكر السراب عن موضعه، كذلك الكافر يحسب أنّ عمله مغنى عنه أو نافعه شيئاً فإذا أتاه الموت واحتاج إلى عمله لم يجد عمله أغنى عنه شيئاً ولا نفعه ﴿ وَوَجَدَ الله عِندَهُ ﴾ أي وجد الله بالمرصاد عند ذلك ﴿ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ﴾ جزاء عمله، ﴿ والله سَرِيعُ الحساب * أَوْ كَظُلُمَاتٍ ﴾.
وهذا مثل آخر ضربه اللّه تعالى لأعمال الكفّار أيضاً يقول : مثل أعمالهم في خطائها وفسادها، وضلالتهم وجهالتهم وحيرتهم فيها كظلمات ﴿ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ ﴾ وهو العميق الكثير الماء وذلك أشدّ ظلمة، ولجّة البحر : معظمه ﴿ يَغْشَاهُ ﴾ يعلوه ﴿ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ ﴾ متراكم ﴿ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ﴾ قرأ ابن كثير برواية النبّال والفلنجي سُحاب بالرفع والتنوين، ظلمات بالجرّ على البدل من قوله أو كظلمات. روى البّزي عنه، سحاب، ظلمات بالاضافة وقرأ الآخرون : سحاب، ظلمات كلاهما بالرفع والتنوين، وتمام الكلام عند قوله ﴿ سَحَابٌ ﴾.
ثمَّ ابتدأ فقال ﴿ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ﴾ ظلمة السحاب وظلمة الموج وظلمة البحر.
قال المفسّرون : أراد بالظلمات أعمال الكافر، وبالبحر اللجّي قلبه، وبالموج ما يغشى قلبه من الجهل والشك والحيرة، وبالسحاب الرَّين والختم والطبع على قلبه.
قال أُبي بن كعب في هذه الآية : الكافر ينقلب في خمس من الظلم : فكلامه ظلمة، وعمله ظلمة ومدخله، ظلمة ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة إلى النار.
﴿ إِذَآ أَخْرَجَ ﴾ يعني الناظر ﴿ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ أي لم يقرب من أن يراها من شدة الظلمات.


الصفحة التالية
Icon