قلت : من الأولى لابتداء الغاية لأن ابتداء الإنزال من السماء للتبعيض لأن ما ينزله الله بعض تلك الجبال التي في السماء، والثالثة للتجنيس لأن تلك الجبال من جنس البرد ﴿ فيصيب به ﴾ أي البرد ﴿ من يشاء ﴾ فيهلكه وأمواله ﴿ ويصرفه عمن يشاء ﴾ أي فلا يضره ﴿ يكاد سنا برقه ﴾ أي ضوء برق السحاب ﴿ يذهب بالأبصار ﴾ أي من شدة ضوئه وبريقه ﴿ يقلب الله الليل والنهار ﴾ أي يصرفهما في اختلافهما وتعاقبهما فيأتي بالليل ويذهب بالنهار ويأتي بالنهار ويذهب بالليل ( ق ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( ﷺ ) قال الله تعالى " يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمن أقلب الليل والنهار " معنى هذا الحديث : أن العرب كانوا يقولون عند النوازل والشدائد أصابنا الدهر ويذمونه في أشعارهم فقيل لهم : لا تسبوا الدهر فإن فاعل ذلك هو الله والدهر مصرف تقع فيه التأثيرات كما تقع بكم، وقوله تعالى ﴿ إن في ذلك ﴾ أي الذي ذكر من هذه الأشياء ﴿ لعبرة لأولي الأبصار ﴾ أي دلالة لأهل العقول والبصائر على قدرة الله وتوحيده.
قوله ﴿ والله خلق كل دابة من ماء ﴾ أي من نطفة وأراد به كل حيوان يشاهد في الدنيا ولا يدخل فيه الملائكة والجن، لأنا لا نشاهدهم وقيل : إن أصل جميع الخلق من الماء وذلك أن الله خلق ماء فجعل بعضه ريحاً ونوراً فخلق منه الملائكة وجعل بعضه ناراً فخلق منه الجن، وجعل بعضه طيناً فخلق منه آدم ﴿ فمنهم من يمشي على بطنه ﴾ أي كالحيات والحيتان والديدان ونحو ذلك ﴿ ومنهم من يمشي على رجلين ﴾ يعني مثل بني آدم والطير ﴿ ومنهم من يمشي على أربع ﴾ يعني كالبهائم والسباع.
فإن قلت كيف قال : خلق كل دابة من ماء مع أن كثيراً من الحيوانات يتولد من غير نطفة.
قلت ذلك المخلق من غير نطفة، لا بد أن يتكون من شيء، وذلك الشيء أصله من الماء فكان من الماء.
فإن قلت : فمنهم من يمشي ضمير العقلاء، فلم يستعمل في غير العقلاء.


الصفحة التالية
Icon