﴿ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾ المشكاة هي الكوة غير النافذة تكون في الحائط، ويكون المصباح فيها شديد الإضاءة وقيل : المشكاة العمود الذي يكون المصباح على رأسه، والأول أصح وأشهر، والمعنى صفة نور الله في وضوحه كصفة مشكاة فيها مصباح، على أعظم ما يتصوّره البشر من الإضاءة والإنارة، وإنما شبه بالمشكاة وإن كان نور الله أعظم، لأن ذلك غاية ما يدركه الناس من الأنوار، فضرب المثل لهم بما يصلون إلى إدراكه. وقيل : الضمير في نوره عائد على سيدنا محمد ﷺ، وقيل : على القرآن، وقيل : على المؤمن، وهذه الأقوال ضعيفة لأنه لم يتقدم ما يعود عليه الضمير، فإن قيل : كيف يصح أن يقال الله نور السموات والأرض فأخبر أنه هو النور ثم أضاف النور إليه في قوله :﴿ مَثَلُ نُورِهِ ﴾، والمضاف عين المضاف إليه؟ فالجواب أن ذلك يصح مع التأويل الذي قدمناه أي الله ذو نور السموات والأرض، أو كما تقول : زيد كرم، ثم تقول : ينعش بكرمه ﴿ المصباح فِي زُجَاجَةٍ ﴾ المصباح هو الفتيل بناره، والمعنى أنه في قنديل من زجاج لأن الضوء فيه أزهر، لأنه جسم شفاف ﴿ الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ﴾ شبه الزجاجة في إنارتها بكوكب دريّ، وذلك يحتمل معنيين إما أن يريد أنها تضيء بالمصباح الذي فيها، وإما أن يريد أنها في نفسها شديدة الضوء لصفائها ورقة جوهرها، وهذا أبلغ الاجتماع نورها مع نور المصباح، والمراد بالكوكب الدرّي أحد الدراري المضيئة : كالمشتري، والزهرة، وسهيل، ونحوها، وقيل : أراد الزهرة، ولا دليل على هذا التخصيص، وقرأ نافع ﴿ دُرِّيٌّ ﴾ بضم الدال وتشديد الياء بغير همزة ولهذا القراءة وجهان : إما أن ينسب الكوكب إلى الدرّ لبياضه وصفائه، أو يكون مسهلاً من الهمز، وقرأ حمزة وأبو بكر :﴿ دُرِّيٌّ ﴾ بالهمز وكسر الدال، بالهمز وضم الدال، وهو مشتق من الدرء بمعنى الدفع.


الصفحة التالية
Icon