الموضعين دلالة على قرب الزمن من الوقت المذكور لضبطه، وأسقطها في الأوسط دلالة على استغراقه لأنه غير منضبط، ثم علل ذلك بقوله :﴿ثلاث عورات﴾ أي اختلالات في التستر والتحفظ، وأصل العورة - كما قال البيضاوي : الخلل.
لأنه لما كانت العورة تبدو فيها سميت بها ﴿لكم﴾ لأنها ساعات وضع الثياب والخلوة بالأهل، وبين حكم ما عدا ذلك بقوله مستأنفاً :﴿ليس عليكم﴾ أي في ترك الأمر ﴿ولا عليهم﴾ يعني العبيد والخدم والصبيان، في ترك الاستئذان ﴿جناح﴾ أي إثم، وأصله الميل ﴿بعدهن﴾ أي في جميع ما سوى هذه الأوقات إذا هجموا عليكم ؛ ثم علل الإباحة في غيرها، مخرجاً لغيرهم، مبيناً أن حكمة الاستئذان في كل وقت كما مضى بقوله :﴿طوافون عليكم﴾ أي لعمل ما تحتاجونه في الخدمة كما أنتم طوافون عليهم لعمل ما يصلحهم ويصلحكم في الاستخدام ﴿بعضكم﴾ طواف ﴿على بعض﴾ لعمل ما يعجز عنه الآخر أو يشق عليه فلو عم الأمر بالاستئذان لأدى إلى الحرج.
ولما أعلى سبحانه البيان في هذه الآيات إلى حد يعجز الإنسان لا سيما وهي في الأحكام، والكلام فيها يعيي أهل البيان، وكان السامع لما جبل عليه من النسيان، يذهل عن أن هذا هو الشأن، في جميع القرآن، قال مشيراً إلى عظم شأنها، في تفريقها وبيانها :﴿كذلك﴾ أي مثل هذا البيان ﴿يبين الله﴾ بما له من إحاطة العلم والقدرة ﴿لكم﴾ أيتها الأمة الخاصة ﴿الآيات﴾ في الأحكام وغيرها وبعلمه وحكمته ﴿والله﴾ الذي له الإحاطة العامة بكل شيء ﴿عليم﴾ بكل شيء ﴿حكيم﴾ يتقن ما يريده، فلا يقدر أحد على نقضه، وختم الآية بهذا الوصف يدل على أنها محكمة لم تنسخ كما قال الشعبي وغيره - أفاده ابن كثير، وحُكي مثله عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ وسعيد بن جبير. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ٢٨١ ـ ٢٨٣﴾