وَاخْتُلِفَ فِي الْإِثْبَاتِ هَلْ يَكُونُ بُلُوغًا، فَلَمْ يَجْعَلْهُ أَصْحَابُنَا بُلُوغًا، وَالشَّافِعِيُّ يَجْعَلُهُ بُلُوغًا، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ :﴿ وَاَلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ﴾ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ الْإِثْبَاتُ بُلُوغًا إذَا لَمْ يَحْتَلِمْ، كَمَا نَفَى كَوْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ بُلُوغًا.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ﴾ وَهَذَا خَبَرٌ مَنْقُولٌ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِفَاضَةِ قَدْ اسْتَعْمَلَهُ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فِي رَفْعِ حُكْمِ الْقَلَمِ عَنْ الْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ وَالصَّبِيِّ.
وَاحْتَجَّ مَنْ جَعَلَهُ بُلُوغًا بِحَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيّ :﴿ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ أَنْبَتَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَاسْتَحْيَا مَنْ لَمْ يُنْبِتْ، قَالَ : فَنَظَرُوا إلَيَّ فَلَمْ أَكُنْ أَنْبَتُّ فَاسْتَبْقَانِي ﴾.
وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الشَّرْعِ بِمِثْلِهِ ؛ إذْ كَانَ عَطِيَّةُ هَذَا مَجْهُولًا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ هَذَا الْخَبَرِ، لَا سِيَّمَا مَعَ اعْتِرَاضِهِ عَلَى الْآيَةِ وَالْخَبَرِ فِي نَفْيِ الْبُلُوغِ إلَّا بِالِاحْتِلَامِ ؛ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مُخْتَلِفُ الْأَلْفَاظِ، فَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِيُ، وَفِي بَعْضِهَا مَنْ اخْضَرَّ إزَارُهُ ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ هَذِهِ الْحَالَ إلَّا وَقَدْ