وهذا يدل على العشاء الأولى.
وفي الصحيح : فصلاها، يعني العصر بين العشاءين المغرب والعشاء.
وفي الموَطّأ وغيره : ولو يعلمون ما في العَتَمة والصبح لأتَوْهما ولوْ حَبْواً.
وفي مسلم عن جابر بن سَمُرة قال : كان رسول الله ﷺ يصلي الصلواتِ نحواً من صلاتكم، وكان يؤخّر العَتَمة بعد صلاتكم شيئاً، وكان يُخِفّ الصلاة.
قال القاضي أبو بكر بن العربي : وهذه أخبار متعارضة، لا يُعلم منها الأول من الآخر بالتاريخ، ونهيه عليه السلام عن تسمية المغرب عشاء وعن تسمية العشاء عَتَمة ثابت، فلا مردّ له من أقوال الصحابة فضلاً عمن عداهم.
وقد كان ابن عمر يقول : من قال صلاة العتمة فقد أثم.
وقال ابن القاسم قال مالك :"وَمِنْ بَعْد صَلاَةِ الْعِشَاءِ" فالله سماها صلاة العشاء فأحبّ النبيّ ﷺ أن تسمّى بما سمّاها الله تعالى به، ويعلّمها الإنسان أهله وولده، ولا يقال عَتَمة إلا عند خطاب من لا يفهم.
وقد قال حسان بن ثابت :
وكانت لا يزال بها أنيس...
خلالَ مُروجِها نَعَمٌ وَشاءُ
فدَعْ هذا ولكن مَنْ لِطَيْفٍ...
يؤرّقني إذا ذهب العشاء
وقد قيل : إن هذا النهي عن اتباع الأعراب في تسميتهم العشاء عَتَمة، إنما كان لئلا يُعدل بها عما سمّاها الله تعالى في كتابه إذ قال :﴿ وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ العشآء ﴾ ؛ فكأنه نَهْيُ إرشاد إلى ما هو الأوْلى، وليس على جهة التحريم، ولا على أن تسميتها العتمة لا يجوز.
ألا ترى أنه قد ثبت أن النبيّ ﷺ قد أطلق عليها ذلك، وقد أباح تسميتها بذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
وقيل : إنما نهى عن ذلك تنزيهاً لهذه العبادة الشريفة الدّينية عن أن يطلق عليها ما هو اسم لفعلة دُنْيَوِيّة، وهي الحَلْبة التي كانوا يحتلبونها في ذلك الوقت ويسمونها العتمة ؛ ويشهد لهذا قوله :"فإنها تُعْتِم بحِلاب الإبل".