فيمتنع من يسمع ذلك من الدخول في الإسلام، فتكون مفسدة قتلهم أعظم من مفسدة إبقائهم، لأن الدين لم يكن حينئذ تمكن تمكناً لا يؤثر فيه مثل ذلك، تشوفت النفوس إلى أن هذا الحال هل يستمر؟ فجلى الله عنهما هذا الكرب بقوله : بياناً لأن تمكن الدين غير مفتقر إليهم سواء أقبلوا أو أدبروا :﴿وعد الله﴾ أي الذي له الإحاطة بكل شيء ﴿الذين آمنوا﴾ وهو مع ذلك كالتعليل لما قبله ترغيباً لمن نظر في الدنيا نوع نظر ؛ وقيد بقوله :﴿منكم﴾ تصريحاً بأهل القرن الأول، ليكون ظاهراً فس إخراج المنافقين المتولين بالإعراض، إشارة إلى أنهم لا يزالون في ذل وضعة ؛ وقدم هذا القيد اهتماماً به لما ذكر بخلاف ما يأتي في سورة الفتح ﴿وعملوا﴾ تصديقاً لإيمانهم ﴿الصالحات﴾ من الإذعان للأحكام وغيرها، وأكد غاية التأكيد بلام القسم، لما عند أكثر الناس من الريب في ذلك فقال :﴿ليستخلفنهم في الأرض﴾ أي أرض العرب والعجم، بأن يمد زمانهم، وينفذ أحكامهم ﴿كما استخلف﴾ أي طلب وأوجد خلافة بإيجادهم ﴿الذين من قبلهم﴾ أي من الأمم من بني إسرائيل وغيرهم من كل من حصلت له مكنة، وظفر على الأعداء بعد الضعف الشديد كما كتب في الزبور ﴿أن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾ وكما قال موسى عليه السلام :﴿إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين﴾ ﴿وليمكنن لهم﴾ أي في الباطن والظاهر ﴿دينهم﴾ أضافة إليهم إشارة إلى رسوخ أقدامهم فيه وأنه أبديّ لا ينسخ ﴿الذي ارتضى لهم﴾ حتى يقيموا الحدود فيه من قتل وغيره على الشريف والوضيع سواء كان الواقعون في ذلك عصبة أم لا، لا يراعون أحداً، ولا يخافون لومة لأئم، لأنه لا يضره إذ ذاك إدباراً مدبر كما قال ـ ﷺ ـ عن الحرورية كافة
" إنه إن أدركهم ليقتلنهم قتل عاد، بعد أن كف عن قتل رأسهم ونهى عن قتله - وهو واحد في غزوة حنين ".


الصفحة التالية
Icon