ولما قتلوا عثمان ـ رضى الله عنه ـ، وخرجوا على عليّ ثم ابنه الحسن ـ رضى الله عنهما ـ، نزع الله ذلك الأمن كما أشير إليه ب " من " وتنكير " أمناً " وجاء الخوف واستمر يتطاول ويزداد قليلاً قليلاً إلى أن صار في زماننا هذا إلى أمر عظيم - والله المستعان.
ولما كان التقدير : فمن ثبت على دين الإسلام، وانقاد لأحكامه واستقام، نال هذه البشرى، عطف عليه قوله :﴿ومن كفر﴾ أي بالإعراض عن الأحكام أو غيرها ؛ أو هو عطف على ﴿يعبدونني﴾ لأن معناه : ومن لم يعبدني.
ولما كان الفاسق الكامل إنما هو من مات على كفره فحبط عمله، فكان بذلك كفره مستغرقاً لزمانه دون من مات مسلماً وإن كان كافراً في جميع ما مضى له قبل ذلك، أسقط الجار فقال :﴿بعد ذلك﴾ أي الاستخلاف العظيم على الوجه المشروح ﴿فأولئك﴾ البعداء من الخير ﴿هم﴾ خاصة ﴿الفاسقون﴾ أي الخارجون من الدين خروجاً كاملاً، لا تقبل معه معذرة، ولا تقال لصاحبه عثرة، بل تقام عليهم الأحكام بالقتل وغيره، ولا يراعى فيهم ملام، ولا تأخذ بهم رأفة عند الانتقام، كما تقدم في أول السورة فيمن لزمه الجلد، ولعل الآية مشيرة إلى أهل الردة.
ولما تمت هذه البشرى، وكان التقدير : فاعملوا واعبدوا، عطف عليه قوله :﴿وأقيموا الصلاة﴾ أي فإنها قوام ما بينكم وبين ربكم، مع أنه يصح عطفه على قوله " أطيعوا الله " فيكون من مقول ﴿قل﴾ ﴿وآتوا الزكاة﴾ فهي نظام ما بينكم وبين إخوانكم ﴿وأطيعوا الرسول﴾ أي المحيط بالرسالة في كل ما يأمركم به، فإنما هو عن أمر ربكم ﴿لعلكم ترحمون﴾ أي لتكونوا عند من يجهل العواقب على رجاء من حصول الرحمة ممن لا راحم في الحقيقة غيره.