وَالثَّانِي : أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ كَانَ بِهِ ضَرُورَةٌ إلَى الطَّعَامِ، وَقَدْ كَانَتْ الضِّيَافَةُ وَاجِبَةً فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لِأَمْثَالِهِمْ، فَكَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ مُسْتَحَقًّا مِنْ مَالِهِمْ لِهَؤُلَاءِ ؛ فَلِذَلِكَ أُبِيحَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ مِقْدَارَ الْحَاجَةِ بِغَيْرِ إذْنٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ :" إنْ أَكَلْت مِنْ بَيْتِ
صَدِيقِك بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا بَأْسَ "، لِقَوْلِهِ :﴿ أَوْ صَدِيقِكُمْ ﴾.
وَرُوِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا دَخَلَ عَلَى الْحَسَنِ، فَرَأَى سُفْرَةً مُعَلَّقَةً فَأَخَذَهَا وَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهَا، فَبَكَى الْحَسَنُ، فَقِيلَ لَهُ : مَا يُبْكِيك ؟ فَقَالَ : ذَكَرْت بِمَا صَنَعَ هَذَا إخْوَانًا لِي مَضَوْا ؛ يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْبَسِطُونَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَأْذِنُونَ.
وَهَذَا أَيْضًا عَلَى مَا كَانَتْ الْعَادَةُ قَدْ جَرَتْ بِهِ مِنْهُمْ فِي مِثْلِهِ.


الصفحة التالية
Icon