قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ نَسْخَهُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِيمَنْ ذُكِرَ فِيهَا، وَقَوْلُهُ :﴿ لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ ﴾ فِي سَائِرِ النَّاسِ غَيْرِهِمْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ ﴾.
وقَوْله تَعَالَى ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ﴾.
رَوَى سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ :" كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كِنَانَةَ بَنِي خُزَيْمَةَ يَرَى أَحَدُهُمْ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ، وَحْدَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى أَنَّ الرَّجُلَ لَيَسُوقُ الذَّوْدَ الْحُفَّلَ وَهُوَ جَائِعٌ حَتَّى يَجِدَ مَنْ يُؤَاكِلُهُ وَيُشَارِبُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ :﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ﴾.
وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا وَحْشِيُّ بْنُ حَرْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَحْشِيٍّ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : إنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ، قَالَ :﴿ فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ ؟ قَالُوا
: نَعَمْ، قَالَ : فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يُبَارِكْ لَكُمْ فِيهِ ﴾ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :﴿ جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ﴾ " الْمَعْنَى : يَأْكُلُ مَعَ الْفَقِيرِ فِي بَيْتِهِ ".
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ :( كَانَ إذَا نَزَلَ بِهِمْ ضَيْفٌ تَحَرَّجُوا أَنْ يَأْكُلُوا إلَّا مَعَهُ ).
وَقِيلَ :( إنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَخَافُ إنْ أَكَلَ مَعَ غَيْرِهِ أَنْ يَزِيدَ أَكْلُهُ عَلَى أَكْلِ صَاحِبِهِ، فَامْتَنَعُوا لِأَجْلِ ذَلِكَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الطَّعَامِ ).