وَأَمَّا الثَّانِي : فَهُوَ قَوْله تَعَالَى :﴿ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ﴾ فَأَيُّ إذْنٍ فِي الْحَدَثِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ خِيَارٌ فِي مَنْعِهِ وَلَا إبْقَائِهِ، وَقَدْ قَالَ :﴿ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْت مِنْهُمْ ﴾ فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ فِي الْحَرْبِ الَّتِي يُؤْثَرُ فِيهَا التَّفَرُّقُ أَمَّا إنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ
بِقُوَّةِ مَعْنَاهَا عَلَى أَنَّ مَنْ حَضَرَ جَمَاعَةً لَا يَخْرُجُ إلَّا لِعُذْرٍ بَيِّنٍ أَوْ بِإِذْنٍ قَائِمٍ مِنْ مَالِكِ الْجَمَاعَةِ وَمُقَدِّمِهَا ؛ وَبِذَلِكَ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ كَانَ لِغَرَضٍ، فَمَا لَمْ يَتِمَّ الْغَرَضُ لَمْ يَكُنْ لِلتَّفَرُّقِ أَصْلٌ، وَإِذَا كَمُلَ الْغَرَضُ جَازَ التَّفَرُّقُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوك لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْت مِنْهُمْ ﴾ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَذِنَ لَهُ إذَا رَأَى ذَلِكَ ضَرُورَةً لِلْمُسْتَأْذِنِ، وَلَمْ يَرَ فِيهِ مَضَرَّةً عَلَى الْجَمَاعَةِ، أَذِنَ بِنَظَرٍ، أَوْ مَنَعَ بِنَظَرٍ.
وَقَدْ رَوَى مَكْحُولٌ أَنَّ الرَّجُلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا رَعَفَ أَوْ أَحْدَثَ يَجْعَلُ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ، وَيُشِيرُ إلَى الْإِمَامِ فَيُشِيرُ لَهُ الْإِمَامُ بِيَدِهِ أَنْ اُخْرُجْ.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ : كَانُوا يَسْتَأْذِنُونَ الْإِمَامَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ قَالَ زِيَادٌ : مَنْ جَعَلَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ فَلْيَخْرُجْ دُونَ إذْنٍ.


الصفحة التالية
Icon