وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا المؤمنون الذين آمَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ على أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حتى يَسْتَأْذِنُوهُ ﴾
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا المؤمنون ﴾ "إنَّمَا" في هذه الآية للحصر ؛ المعنى : لا يتمّ ولا يكمل إيمانُ من آمن بالله ورسوله إلا بأن يكون من الرسول سامعاً غير معنّت في أن يكون الرسول يريد إكمال أمر فيريد هو إفساده بزواله في وقت الجمع، ونحو ذلك.
وبيّن تعالى في أول السورة أنه أنزل آيات بينات، وإنما النزول على محمد ﷺ ؛ فختم السورة بتأكيد الأمر في متابعته عليه السلام ؛ ليعلم أن أوامره كأوامر القرآن.
الثانية : واختلف في الأمر الجامع ما هو ؛ فقيل : المراد به ما للإمام من حاجة إلى جمع الناس فيه لإذاعة مصلحة، من إقامة سُنّة في الدِّين، أو لترهيب عدوّ باجتماعهم وللحروب ؛ قال الله تعالى :﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر ﴾ [ آل عمران : ١٥٩ ].
فإذا كان أمر يشملهم نفعه وضره جمعهم للتشاور في ذلك.
والإمام الذي يُتَرَقَّب إذنه هو إمام الإمْرة، فلا يذهب أحد لعذر إلا بإذنه، فإذا ذهب بإذنه ارتفع عنه الظن السيىء.
وقال مَكْحُول والزُّهْرِيّ : الجمعة من الأمر الجامع.
وإمام الصلاة ينبغي أن يُستأذن إذا قدّمه إمام الإمرة، إذا كان يرى المستأذن.
قال ابن سيرين : كانوا يستأذنون الإمام على المنبر ؛ فلما كثر ذلك قال زياد : من جعل يده على فيه فليخرج دون إذن، وقد كان هذا بالمدينة حتى أن سهل بن أبي صالح رَعَف يوم الجمعة فاستأذن الإمام.
وظاهر الآية يقتضي أن يُستأذن أميرُ الإمْرة الذي هو في مقعد النبوّة، فإنه ربما كان له رأي في حبس ذلك الرجل لأمر من أمور الدين.
فأما إمام الصلاة فقط فليس ذلك إليه ؛ لأنه وكيل على جزء من أجزاء الدِّين للذي هو في مقعد النبوّة.