ولما كان بعضهم يظهر المؤالفة، ويبطن المخالفة، حذر من ذلك بشمول علمه وتمام قدرته، فقال معللاً مؤكداً محققاً معلماً بتجديد تعليق العلم الشهودي كلما جدد أحد خيانة لدوام اتصافه بإحاطة العلم من غير نظر إلى زمان :﴿قد يعلم الله﴾ أي الحائز لجميع صفات المجد إن ظننتم أن ما تفعلونه من التستر يخفي أمركم على رسوله ـ ﷺ ـ، فهو سبحانه يعلم ﴿الذين يتسللون﴾ وعين أهل التوبيخ بقوله :﴿منكم﴾ أي يتكلفون سلَّ أنفسهم ليجعلوا ذهابهم في غاية الخفاء ﴿لواذاً﴾ أي تسللاً مستخفين به بتستر بعضهم فيه ببعض ؛ يقال : لاذ بالشيء لوذاً ولواذاً وملاوذة : استتر وتحصن، فهو مصدر لتسلل من غير لفظه، ولعله أدخل " قد " على المضارع ليزيد أهل التحقيق تحقيقاً، ويفتح لأهل الريب إلى الاحتمال طريقاً، فإنه يكفي في الخوف من النكال طروق الاحتمال ؛ وسبب عن علمه قوله :﴿فليحذر﴾ أي يوقع الحذر ﴿الذين يخالفون﴾ أي يوقعون مخالفته بالذهاب مجاوزين معرضين ﴿عن أمره﴾ أي أمر رسول الله ـ ﷺ ـ، إلى خلافه ﴿أن تصيبهم فتنة﴾ أي شيء يخالطهم في الدنيا فيحل أمورهم إلى غير الحالة المحبوبة التي كاونوا عليها ﴿أو يصيبهم عذاب أليم﴾ في الآخرة، وهذا يدل على أن الأمر للوجوب حتى يصرف عنه صارف، لترتيب العقاب على الإخلال به، لأن التحذير من العقاب إنما يكون بعد قيام المقتضي لنزول العذاب.