فصل
قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء الرسول بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً﴾ ففيه وجوه : أحدها : وهو اختيار المبرد والقفال، ولا تجعلوا أمره إياكم ودعاءه لكم كما يكون من بعضكم لبعض إذ كان أمره فرضاً لازماً، والذي يدل على هذا قوله عقيب هذا ﴿فَلْيَحْذَرِ الذين يخالفون عَنْ أَمْرِهِ﴾ وثانيها : لا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضاً يا محمد، ولكن قولوا يا رسول الله يا نبي الله، عن سعيد بن جبير وثالثها : لا ترفعوا أصواتكم في دعائه وهو المراد من قوله :﴿إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أصواتهم عِندَ رَسُولِ الله﴾ [ الحجرات : ٣ ] عن ابن عباس ورابعها : احذروا دعاء الرسول عليكم إذا أسخطتموه فإن دعاءه موجب ليس كدعاء غيره، والوجه الأول أقرب إلى نظم الآية.
أما قوله تعالى :﴿قَدْ يَعْلَمُ الله الذين يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً﴾ فالمعنى يتسللون قليلاً قليلاً، ونظير تسلل تدرج وتدخل، واللواذ : الملاوذة وهي أن يلوذ هذا بذاك وذاك بهذا، يعني يتسللون عن الجماعة ( على سبيل الخفية ) واستتار بعضهم ببعض، و ( لواذاً ) حال أي ملاوذين وقيل كان بعضهم يلوذ بالرجل إذا استأذن فيؤذن له فينطلق الذي لم يؤذن له معه، وقرىء ﴿لِوَاذاً﴾ بالفتح ثم اختلفوا على وجوه : أحدها : قال مقاتل : كان المنافقون تثقل عليهم خطبة النبي ﷺ يوم الجمعة فيلوذون ببعض أصحابه ويخرجون من غير استئذان وثانيها : قال مجاهد يتسللون من الصف في القتال وثالثها : قال ابن قتيبة هذا كان في حفر الخندق ورابعها : يتسللون عن رسول الله ﷺ وعن كتابه وعن ذكره، وقوله :﴿قَدْ يَعْلَمُ الله﴾ معناه التهديد بالمجازاة.
أما قوله :﴿فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى :