ثم يقول تعالى للعابدين بعد أن أسمعهم قول معبوديهم على زعمهم مواجهة انظروا "فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ" من زعم هؤلاء أنهم آلهة وأنهم دعوكم في الدنيا لعبادتهم فما تقولون ؟ وهذا زيادة في التقريع والتوبيخ فيصمتون، ثم يخاطبهم اللّه تعالى بقوله "فَما تَسْتَطِيعُونَ" الآن "صَرْفاً" أي دفع العذاب عنكم بوجه من الوجوه كما يقتضيه التنكير، أي لا بالذات ولا بالواسطة "وَلا نَصْراً" ١٨ لكم ولا عونا من أحد، أي لا أنتم ولا الذين اتخذتموهم آلهة، فكلاكما بالضعف والعجز سواء، وقرىء بالياء، وعليه يكون المعنى فما يقدرون هؤلاء الذين عبدتموهم في الدنيا بصورة من الصور ولا بنوع من الأنواع، دفع العذاب عنكم بأنفسهم
وليس لهم أعوان بذلك، فهم عاجزون أنفسهم وغيرهم أعجز، ثم التفت جل شأنه بخطابه إلى كافة المكلفين فقال "وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ" نفسه أيها الناس فيشرك به "نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً" ١٩ على شركه، لأن يظلم هنا بمعنى يشرك لذلك عظم عذابه، إذ لا يكون العذاب الكبير إلا على الشرك، لأن مطلق الظلم لا يستوجب ذلك، وقد سمى اللّه الشرك ظلما بقوله (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) الآية ١٢ من سورة لقمان في ج ٢، ولأن من الظلم ما هو كبيرة يفسق بها مرتكبه، والفاسق لدى أهل السنة والجماعة لا يخلد بالنار، والمراد بقوله تعالى كبيرا أي مخلدا فيصرف هنا بسبب هذا القيد إلى الشرك، ولا قيمة لقول من يقول إن مرتكب الكبيرة يخلد في النار لمخالفته إجماع الأمة وما عليه عقائدهم، قال صاحب الشيبانية :
ولا تبصر في نار الجحيم موحدا ولو قتل النفس الحرام تعمدا
أي دون استحلال لأنه به يكفر فيخلد إذا لم يتب.


الصفحة التالية
Icon