البحث الأول : في بيان أن هذا كيف يصلح أن يكون جواباً عن تلك الشبهة ؟ وتقريره ما قدمنا أنه عليه السلام تحداهم بالمعارضة وظهر عجزهم عنها ولو كان عليه السلام أتى بالقرآن بأن استعان بأحد لكان من الواجب عليهم أيضاً أن يستعينوا بأحد فيأتوا بمثل هذا القرآن، فلما عجزوا عنه ثبت أنه وحي الله وكلامه، فلهذا قال :﴿قُلْ أَنزَلَهُ الذى يَعْلَمُ السر﴾ وذلك لأن القادر على تركيب ألفاظ القرآن لا بد وأن يكون عالماً بكل المعلومات ظاهرها وخافيها من وجوه : أحدها : أن مثل هذه الفصاحة لا يتأتى إلا من العالم بكل المعلومات وثانيها : أن القرآن مشتمل على الإخبار عن الغيوب، وذلك لا يتأتى إلا من العالم بكل المعلومات وثالثها : أن القرآن مبرأ عن النقص وذلك لا يتأتى إلا من العالم على ما قال تعالى :
﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً﴾ [ النساء : ٨٢ ] ورابعها : اشتماله على الأحكام التي هي مقتضية لمصالح العالم ونظام العباد، وذلك لا يكون إلا من العالم بكل المعلومات وخامسها : اشتماله على أنواع العلوم وذلك لا يتأتى إلا من العالم بكل المعلومات، فلما دل القرآن من هذه الوجوه على أنه ليس إلا كلام بكل المعلومات لا جرم اكتفى في جواب شبههم بقوله :﴿قُلْ أَنزَلَهُ الذى يَعْلَمُ السر ﴾.