ولما تقدم ذكر منزل الفرقان سبحانه، وذكر الفرقان والمنزل عليه على طريق الإجمال، أتبع ذلك تفصيله على الترتيب، فبدأ بوصف المنزل سبحانه بما هو أدل دليل على إرادة التعميم في الرسالة لكل من يريد، فقال :﴿الذي له﴾ أي وحده ﴿ملك السماوات والأرض﴾ فلا إنكار لأن يرسل رسولاً إلى كل من فيهما ﴿ولم يتخذ ولداً﴾ ليتكبر على رسوله ﴿ولم يكن له شريك في الملك﴾ ليناقضه في الرسالة أو يقاسمه إياها، فيكون بعض الخلق خارجاً عن رسالته، أو مراعياً لأمر غير أمره.
ولما كان وقوف الشيء عند حد - بحيث لا يقدر أن يتعداه إلى حد شيء آخر سواه، فهذا حيوان لا يقدر على جعل نفسه جماداً ولا أعلى من الحيوان، وهذا جماد لا يمكنه جعل نفسه حيواناً ولا أسفل من رتبة الجماد إلى غير ذلك مما يعجز الخلق عن شرحه دالاً على أنه مخلوق مربوب، قال تعالى :﴿وخلق﴾ أي أحدث إحداثاً مراعى فيه التقدير والتسوية ﴿كل شيء﴾ أي مما ادعى فيه الولدية أو الشرك وغيره.
ولما كان قد سوى كل شيء لما يصلح له وهيأه لذلك، قال شارحاً ومحققاً لمعنى " خلق " :﴿فقدره﴾ في إيجاده من غير تفاوت ﴿تقديراً﴾ أي لا يمكن ذلك الشيء مجاوزته فيما خلق لأجله وهيىء ويسر له إلى غيره بوجه من الوجوه.
ولما ذكرهم بما ركز في فطرهم من العلم، عجب منهم لكل ذي عقل في جملة حالية فيما خالفوا ما لهم من المشاهدة، فقال مضمراً للفاعل إشارة إل استهجان نسبة هذا الفعل إلى فاعل معين توبيخاً لهم وإرشاداً إلى المبادرة من كل سامع إلى نفيه عنه فقال :﴿واتخذوا﴾ أي كلف أنفسهم عبدة الأوثان أن أخذوا.
ولما كان علوه لا يحد، فكانت الرتب السافلة لا تحصى، نبه على ذلك بالجار فقال :﴿من دونه﴾ أي بعد ما قام من الدليل على أنه الإله وحده من الحيثيات التي تقدمت ﴿آلهة﴾ المتحدون مشاهدون لأنهم كما قال تعالى :﴿لا يخلقون شيئاً﴾ أي لا أعجز منهم، لا يكون منهم إيجاد شيء، فيهم دون من عبدهم.