لا نزاع أن المراد من العبد ههنا محمد ﷺ، وعن ابن الزبير على عباده وهم رسول الله وأمته كما قال :﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ﴾ [ الأنبياء : ١٠ ]، ﴿قُولُواْ ءامَنَّا بالله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا﴾ [ البقرة : ١٣٦ ]، وقوله :﴿لِيَكُونَ للعالمين نَذِيراً﴾ فالمراد ليكون هذا العبد نذيراً للعالمين، وقول من قال : إنه راجع إلى الفرقان فأضاف الإنذار إليه كما أضاف الهداية إليه في قوله :﴿إِنَّ هذا القرءان يِهْدِى﴾ [ الإسراء : ٩ ] فبعيد وذلك لأن المنذر والنذير من صفات الفاعل للتخويف، وإذا وصف به القرآن فهو مجاز، وحمل الكلام على الحقيقة إذا أمكن هو الواجب، ثم قالوا هذه الآية تدل على أحكام : الأول : أن العالم كل ما سوى الله تعالى ويتناول جميع المكلفين من الجن والإنس والملائكة، لكنا أجمعنا أنه عليه السلام لم يكن رسولاً إلى الملائكة فوجب أن يكون رسولاً إلى الجن والإنس جميعاً، ويبطل بهذا قول من قال إنه كان رسولاً إلى البعض دون البعض الثاني : أن لفظ ﴿العالمين﴾ يتناول جميع المخلوقات فدلت الآية على أنه رسول للخلق إلى يوم القيامة، فوجب أن يكون خاتم الأنبياء والرسل الثالث : قالت المعتزلة دلت الآية على أنه سبحانه أراد الإيمان وفعل الطاعات من الكل، لأنه إنما بعثه إلى الكل ليكون نذيراً للكل، وأراد من الكل الاشتغال بالحسن والإعراض عن القبيح وعارضهم أصحابنا بقوله تعالى :﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ﴾ [ الأعراف : ١٧٩ ] الآية، الرابع : لقائل أن يقول إن قوله ﴿تبارك﴾ كما دل على كثرة الخير والبركة لا بد وأن يكون المذكور عقيبه ما يكون سبباً لكثرة الخير والمنافع، والإنذار يوجب الغم والخوف فكيف يليق هذا لهذا الموضع ؟ جوابه : أن هذا الإنذار يجري مجرى تأديب الولد، وكما أنه كلما كانت المبالغة في تأديب الولد أكثر كان الإحسان إليه أكثر، لما أن ذاك يؤدي في المستقبل إلى المنافع


الصفحة التالية