الأول : هل في قوله :﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَىْء﴾ دلالة على أنه سبحانه خالق لأعمال العباد ؟ والجواب : نعم من وجهين : الأول : أن قوله :﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَىْء﴾ يتناول جميع الأشياء فيتناول أفعال العباد، والثاني : وهو أنه تعالى بعد أن نفى الشريك ذكر ذلك، والتقدير أنه سبحانه لما نفى الشريك كأن قائلاً قال : ههنا أقوام يعترفون بنفي الشركاء والأنداد، ومع ذلك يقولون إنهم يخلقون أفعال أنفسهم فذكر الله تعالى هذه الآية لتكون معينة في الرد عليهم، قال القاضي الآية لا تدل عليه لوجوه : أحدها : أنه سبحانه صرح بكون العبد خالقاً في قوله :﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير﴾ [ المائدة : ١١٠ ] وقال :﴿فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين﴾ [ المؤمنون : ١٤ ] وثانيها : أنه سبحانه تمدح بذلك فلا يجوز أن يريد به خلق الفساد وثالثها : أنه سبحانه تمدح بأنه قدره تقديراً ولا يجوز أن يريد به إلا الحسن والحكمة دون غيره، فثبت بهذه الوجوه أنه لا بد من التأويل لو دلت الآية بظاهرها عليه، فكيف ولا دلالة فيها ألبتة، لأن الخلق عبارة عن التقدير فهو لا يتناول إلا ما يظهر فيه التقدير، وذلك إنما يظهر في الأجسام لا في الأعراض والجواب :
أما قوله :﴿وَإِذْ تَخْلُقُ﴾ وقوله :﴿أَحْسَنُ الخالقين﴾ فهما معارضان بقوله :﴿الله خالق كُلّ شَىْء﴾ [ الزمر : ٦٢ ] وبقوله :﴿هَلْ مِنْ خالق غَيْرُ الله﴾ [ فاطر : ٣ ] وأما قوله لا يجوز التمدح بخلق الفساد، قلنا لم لا يجوز أن يقع التمدح به نظراً إلى تقادير القدرة وإلى أن صفة الإيجاد من العدم والإعدام من الوجود ليست إلا له ؟ وأما قوله : الخلق لا يتناول إلا الأجسام، فنقول لو كان كذلك لكان قوله ﴿خَلَقَ كُلَّ شَىْء﴾ خطأ لأنه يقتضي إضافة الخلق إلى جميع الأشياء مع أنه لا يصح في العقل إضافته إليها.


الصفحة التالية
Icon