" فصل "
قال السيوطى :
سورة الفرقان
ظهر لي بفضل الله بعدما فكرت في هذه: أن نسبة هذه السورة لسورة النور، كنسبة سورة الأنعام إلى المائدة من حيث أن النور قد ختمت بقوله: (للهِ ما في السمواتِ والأَرض) كما ختمت المائدة بقوله (للهِ ملكُ السمواتِ والأَرض وما فيهن) وكانت جملة النور أخصر من المائدة، ثم فصلت هذه الجملة في سورة الفرقان فافتتحت بقوله (الذي له ملك السموات) إلى قوله (وخلق كل شيء فقدرهُ تقديراً) كما افتتحت الأنعام بمثل ذلك وكان قوله عقبه (واتخذوا من دونهِ آلهة) إلى آخره، نظير قوله هناك (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) ثم ذكر في خلال هذه السورة جملة من المخلوقات، كمثل الظل، والليل، والنوم، والنهار، والرياح، والماء، والأنعام، والأناسي، ومرج البحرين، والإنسان، والنسب، والصهر، وخلق السموات والأرض في ستة أيام، والاستواء على العرش، وبروج السماء، والسراج، والقمر، إلى غير ذلك، مما هو تفصيل لجملة: (للهِ ما في السمواتِ والأَرض) كما فصل آخر المائدة في الأنعام بمثل ذلك وكان البسط في الأنعام أكثر لطولها ثم أشار في هذه السورة إلى القرون المكذبة وإهلاكم، كما أشار في الأنعام إلى ذلك ثم أفصح عن هذه الإشارة في السورة التي تليها وهي الشعراء بالبسط التام، والتفصيل البالغ كما أوضح تلك الإشارة التي في الأنعام، وفصلها في سورة الأعراف التي تليها فكانت هاتان السورتان الفرقان والشعراء في المثانى، نظير تينك السورتين الأنعام والأعراف في الطوال، واتصالهما بآخر النور، نظير اتصال تلك بآخر المائدة، المشتملة على فصل القضاء ثم ظهر لي لطيفة أخرى، وهي أنه إذا وقعت سورة مكية بعد سورة مدنية، افتتح أولها بالثناء على الله، كالأنعام بعد المائدة، والإسراء بعد النحل، وهذه بعد النور، وسبأ بعد الأحزاب، والحديد بعد الواقعة، وتبارك بعد التحريم، لما في ذلك من الإشارة إلى نوع استقلال، وإلى الإنتقال من نوع إلى نوع. أ هـ ﴿أسرار ترتيب القرآن صـ ١١٩ ـ ١٢٠﴾


الصفحة التالية
Icon