أما قوله تعالى :﴿وَمَن يَظْلِم مّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى :
قرىء ﴿يذقه﴾ بالياء وفيه ضمير الله تعالى أو ضمير ( الظلم ).
المسألة الثانية :
أن المعتزلة تمسكوا بهذه الآية في القطع بوعيد أهل الكبائر، فقالوا ثبت أن ( من ) للعموم في معرض الشرط، وثبت أن الكافر ظالم لقوله :﴿إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [ لقمان : ١٣ ] والفاسق ظالم لقوله :﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون﴾ [ الحجرات : ١١ ] فثبت بهذه الآية أن الفاسق لا يعفى عنه، بل يعذب لا محالة والجواب : أنا لا نسلم أن كلمة ( من ) في معرض الشرط للعموم، والكلام فيه مذكور في أصول الفقه، سلمنا أنه للعموم ولكن قطعاً أم ظاهراً ؟ ودعوى القطع ممنوعة، فإنا نرى في العرف العام المشهور استعمال صيغ العموم، مع أن المراد هو الأكثر، أو لأن المراد أقوام معينون، والدليل عليه قوله تعالى :﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ سَوَاء عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ [ البقرة : ٦ ] ثم إن كثيراً من الذين كفروا قد آمنوا فلا دافع له إلا أن يقال قوله :﴿الذين كَفَرُواْ﴾ وإن كان يفيد العموم، لكن المراد منه الغالب أو المراد منه أقوام مخصوصون، وعلى التقديرين ثبت أن استعمال ألفاظ العموم في الأغلب عرف ظاهر، وإذا كان كذلك كانت دلالة هذه الصيغ على العموم دلالة ظاهرة لا قاطعة، وذلك لا ينفي تجويز العفو.


الصفحة التالية
Icon