قال أصحابنا الآية تدل على القضاء والقدر لأنه تعالى قال :﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً﴾ قال الجبائي هذا الجعل هو بمعنى التعريف كما يقال فيمن سرق، إن فلاناً لص جعله لصاً، وهذا التأويل ضعيف لأنه تعالى أضاف الجعل إلى وصف كونه فتنة لا إلى الحكم بكونه كذلك، بل العقل يدل على أن المراد غير ما ذكره وذلك لأن فاعل السبب فاعل للمسبب، فمن خلقه الله تعالى على مزاج الصفراء والحرارة وخلق الغضب فيه ثم خلق فيه الإدراك الذي يطلعه على الشيء المغضب فمن فعل هذا المجموع كان هو الفاعل للغضب لا محالة، وكذا القول في الحسد وسائر الأخلاق والأفعال، وعند هذا يظهر أنه سبحانه هو الذي جعل البعض فتنة للبعض.
سلمنا أن المراد ما قاله الجبائي أن المراد من الجعل هو الحكم ولكن المجعول إن انقلب لزم انقلابه انقلاب حكم الله تعالى من الصدق إلى الكذب وذلك محال، فانقلاب ذلك الجعل محال، فانقلاب المجعول أيضاً محال، وعند ذلك يظهر القول بالقضاء والقدر.
المسألة الثالثة :
الوجه في تعلق هذه الآية بما قبلها أن القوم لما طعنوا في الرسول ﷺ بأنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وبأنه فقير كانت هذه الكلمات جارية مجرى الخرافات، فإنه لما قامت الدلالة على النبوة لم يكن لشيء من هذه الأشياء أثر في القدح فيها، فكان النبي ﷺ يتأذى منهم من حيث إنهم كانوا يشتمونه، ومن حيث إنهم كانوا يذكرون الكلام المعوج الفاسد وما كانوا يفهمون الجواب الجيد، فلا جرم صبره الله تعالى على كل تلك الأذية، وبين أنه جعل الخلق بعضهم فتنة للبعض.
أما قوله تعالى :﴿أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
قالت المعتزلة لو كان المراد من قوله :﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً﴾ الخبر لما ذكر عقيبه ﴿أَتَصْبِرُونَ﴾ لأن أمر العاجز غير جائز.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon